الداخل إلى قصر البحر العامر في أبوظبي يأسره عبق جميل، تُجلّله روح زايد الخير، طيّب الله ثراه. تستحضر أركانه وساحاته عن بانيه أجمل الذكريات. وكأن تلك المواقع تقول: هنا كان يجلس القائد المؤسس، وهنا كان يلتقي أبناءه وزواره، ومن هنا كانت تنطلق كلماته البسيطة في ألفاظها، العميقة في معانيها ودلالاتها.



هنا ترسخت قيم القيادة ومفاهيمها ومبادئها. وهنا مدرسته التي تخرج فيها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، امتداداً لنهج القائد الخالد، يحمل صفات الأب القائد، في صورته ومعناه. وهنا كذلك، يُسطِّر التاريخ مجداً جديداً، اسمه محمد بن زايد. إن استحضرت زايداً، ذكرته، وإن رأيت محمداً، ذكرت زايداً.



محمد بن زايد، مثال رائع، يؤكد على خصوصية العلاقة بين شعب الإمارات وقيادته، هو عشق متبادل، هو الولاء مع الحب المطلق. لا تجد في هذا الوصل رياء ولا خوفاً. وذلك سر محمد بن زايد ومكانته الفريدة في القلوب. يأسرك بقيمه الإنسانية وأخلاقه النبيلة.



مجلسه يقدم دروساً بليغة في الألفة والتواضع. سيّد المجلس يدور بنفسه على ضيوفه وزواره لمصافحتهم، في مشهد إنساني مفعم بالحب والاحترام والمودة. يسأل كل فرد عن حاله وحال أسرته، ولا يستعجل في الانصراف عنه، رغم الحشد الهائل من مرتادي هذا المجلس. العلامة البارزة محياه ووجهه الكريم، سعادة غامرة وفرح بهذا الجمع الذي يحتشد للقائه كل أسبوع.



أما الحضور في مجلسه، فهو انعكاس لمجتمع أسس له زايد. وتتجلى فيه قيم التسامح والإنسانية الرائعة، حيث الجنسيات المتعددة، والديانات والثقافات المختلفة. تجمعهم الأخوة الإنسانية في أروع صورها، تحت سقف واحد، كما جمعهم وطن واحد، دولة الإمارات.



دروس رائعة مستفادة في حضرته وحضوره. في صمته مهابة ووقار، وفي حديثه حِكَم وأسرار. لا مكان للغو والحشو عندما يتحدث. حديثه حافل بالرسائل الوطنية والإنسانية. يُبهرك باستعراضه للأحداث والتحديات المحلية والإقليمية والدولية. ويثير الإعجاب بالمجمل والمفصل في الموضوعات التي يطرحها، على الرغم من تنوعها. فمن حديث عن الاستقرار ومهدداته، وعن التعليم وضروراته، وعن التنمية وآفاقها.



إن تحدث عن التعليم مثلاً - والذي هو في قمة أولوياته، كما هو في أولويات صاحب السمو رئيس الدولة وصاحب السمو نائب رئيس الدولة، حفظهما الله - فهو يختصر تطويره وتحسين مخرجاته في جمل محدودة، تتلخص في وجوب مواكبته لأفضل التجارب العالمية،..



 ومناهجها المتطورة في العلوم والرياضيات ونحوها، دون اختراع العجلة من جديد، اختصاراً للوقت والجهد والموارد. أما التطوير وتحسين المخرجات في المناهج التي تتعلق بخصوصيتنا الدينية والثقافية مثل التربية الوطنية والتربية الإسلامية واللغة العربية فتلك مسؤوليتنا وحدنا، ولا يمكن للغير أن يفيدنا في تطويرها.



يحدثك عن ذلك كله، بلغة بسيطة، وبتلقائية وعفوية مُبهرة، بلا فلسفة ولا إطالة. ورؤيته لا تقتصر على حاضر الوطن ومتطلباته، بل إنه يتحدث باستمرار عن المستقبل واستشرافه له، ويتحدث عن خطط طموحة تمتد إلى خمسة وعشرين، بل وخمسين عاماً، بثقة تفاؤل وإيجابية.



وهو القائل: سنحتفل بتصدير آخر برميل من النفط بعد خمسين سنة. وهو في ذلك، يُراهن على أبناء هذا الوطن وبناته، ويعد العدة لتلك المرحلة التي لا ريب أنها قادمة. لذا اتجه إلى بناء الإنسان والتركيز عليه باعتباره الثروة الحقيقية، تماماً كما كان يؤمن زايد، رحمه الله.



هذا الإنسان الذي يتحدث عنه محمد بن زايد، وقبل أن يكون مؤهلاً للقيام بهذه المسؤولية الكبرى، لا بد أن تتوافر فيه من القيم والعادات والأخلاق والسلوكيات ما يُمكنه القيام بهذا الدور. ولذلك، وجّه سموه بتدريس التربية الأخلاقية في مدارسنا ومعاهدنا التعليمية.



 وهي دعوة رائعة في موضوعها وتوقيتها. وجاءت ممّن هو جدير بإطلاقها. وعندما يدعو إلى إيجاد «قدوة حسنة» كما يكرر دائماً، فهو - بنفسه - القدوة التي نتشرف بالاقتداء بها. فمحمد بن زايد، ليس قائداً تقليدياً وعادياً، بل هو استثنائي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بل هو صاحب مدرسة في الحكمة والقيادة. أدامه الله ذخراً لهذا الوطن وأهله، ورحم والدنا الشيخ زايد.