تعد البيانات الضخمة (Big Data) مصدر المعرفة الأول في المستقبلين الحاضر والآتي، فمن خلاله تتعرف الشركات إلى العديد من الجوانب ذات الصلة بنا وخاصة تلك الوثيقة الصلة بشخصيتنا ورغباتنا.
إنك يجب ألا تتفاجأ يوماً عندما تذهب إلى المحال لشراء مستلزماتك وحاجاتك المنزلية، وحين تفرغ من ذلك وأنت تدفع الحساب تعطيك البائعة كوبونات للتخفيضات، فتصاب بالمفاجأة من أنها للمطعم الذي تحبه وتكثر التردد عليه، والآخر للنادي الصحي المفضل لديك. لاحظ أنها متفقة مع رغباتك الشخصية.
وحينها عليك ألا تستغرب من ذلك، فالمحال التجارية في الحقيقة في بعض المناطق في العالم تقوم بذلك. فهي تقوم بالبحث في محركات البحث كجوجل وياهو عبر البيانات الضخمة التي تتكون حين نتردد على المواقع الإلكترونية المتنوعة. إنهم يقومون بتحليل تلك البيانات وتوظيفها لمصلحتهم من خلال التعرف على اتجاهات ورغبات متعامليهم.
تعد البيانات الضخمة الجيل المقبل من الحوسبة والتي تعمل على خلق القيمة من خلال مسح وتحليل البيانات. ومع مرور الزمن أصبحت البيانات التي ينتجها المستخدمون في نمو مستمر وبشكل متسارع لأسباب عدة، منها بيانات المشتريات في محلات السوبر ماركت والأسواق التجارية وفواتير الشحن والمصارف والصحة والشبكات الاجتماعية.
إن شركة نتفلكس (Netflex) تقوم بذلك فتقترح البرامج والمسلسلات وفقاً لذوق المشاهد الذي تكون عبر تاريخه في المشاهدة. فشركة ستاربكس - مثلاً - تقوم باستخدام البيانات الضخمة لاختيار الأماكن لفروعها الجديدة التي تعتزم افتتاحها حتى لو كانت تقع في الناحية المقابلة لأحد فروعها السابقة.
وماذا عن مكاتب المحاماة، كيف تستطيع أن تستفيد من ذلك؟ هل أمواج البيانات الضخمة تجعل منها ذات قيمة لتلك المكاتب؟ لعل أولى تلك الأمواج تتمثل في البرامج المتعلقة بنظام الفوترة، وحساب الوقت، فضلاً عن مهام تلخيص الأحكام والمذكرات.
لأن من شأن وجود برامج تقنية تقوم بتلك المهام أن ترفع من كفاءة المكاتب والمحامين في الوقت ذاته. الموجة الأخرى هي أتمتة الأحكام القضائية، لكي يستفيد منها المحامون في أبحاثهم. إن شركات البحث البيانات القانونية مثل »ويست لو West Law« ونيكسز ليكسز تقومان بإعداد قواعد للبيانات تتضمن الأحكام القضائية والقوانين والمقالات... وغيرها.
تلك القواعد كانت تتم عبر الأنظمة القديمة »Boolean connectors«، أما اليوم فإنها تستخدم اللغة المستخدمة نفسها من قبل جوجل. إنهما يحققان ثروة ضخمة من المال عبر المعارف التي يقومون ببيعها حول العالم، من ناحية ثانية يرى البعض أن تلك الأحكام القضائية يجب أن تكون متاحة بالمجان للجميع. وثالث تلك الأمواج هي قيام العالم القانوني باستخدام البيانات الضخمة.
إن استخدام البيانات الضخمة ما زال في مراحله الأولية في القطاع القانوني بالمقارنة بقطاعات التسويق والإعلام وغيرهما. إن القطاع القانوني ما زال استيعابه لفوائد البيانات الضخمة بطيئاً، ولكن الخبر الجيد أنهم بدؤوا في الاستفادة منها واستخدامها. إن المحامين ما زالوا يلجؤون إلى خبرات زملائهم في القضايا التي يتعاملون معها.
إن تحليل البيانات الضخمة يجعل من نتائج تلك التحليلات متوقعة، لأنها ستعطي صورة أكبر وأدق والتي سيتم من خلالها تحليل كل القضايا التي تعامل معها ذلك القاضي في موضوع القضية محل البحث والتي يجب أن يحللها المحامي، ليتمكن من الوقوف على الاتجاه الذي سيتجه إليه القاضي في القرار والحكم الذي سيصدره.
بالإضافة إلى ذلك، فعند تحليل تلك البيانات من قبل المحامي فإنه سيتمكن من إدراك مدى قبول هذا القاضي أو رفضه فيما يتعلق بالطلبات المقدمة في تلك النوعية من القضايا، وسيترتب على ذلك عدم إهدار الوقت والمال في الطلبات التي ستُرفض ليتم التركيز على الطلبات التي يظنها محل قبول.
إن تحليل البيانات الضخمة هو السبيل نحو بناء تقنيات ستكون سائدة في القطاع القانوني. ومن سيتردد في الاستفادة من مزايا البيانات الضخمة فإنه سيكون قد فوّت فرصة كبيرة لرفع كفاءته وكفاءة مكتبه وأعماله، وسيكون متأخراً خطوة عن منافسيه - إن لم تكن خطوات - ليجد نفسه رغم معطياته العلمية في آخر الصف لأنه لم يواكب العلم المعرفي في شكله النظري بمتطلبات العصر ومستجداته.