في أعقاب الهجمات الإرهابية التي استهدفت مدينة نيس وأماكن أخرى في فرنسا، عمدت بلدات عدة على امتداد السواحل المشمسة جنوبي فرنسا، حيث اعتادت بريجيت باردو الاستلقاء تحت أشعة الشمس هناك، إلى حظر ارتداء البوركيني.
ولا يكشف الحظر الأخير على تغطية الجسد عن وجود انقسام بين العادات الإسلامية المحافظة والغرب الليبرالي، وحسب، بل أيضاً عن الفرق بين مفاهيم العلمانية داخل الغرب نفسه.
وعلى نحو ملاحظ، فإن التعاطف مع الحظر وحد كلاً من اليسار واليمين، دائمي التذمر، في فرنسا.
يقول رئيس الوزراء الاشتراكي مانويل فالس إنه يرى الموضوع بشكل أبعد من مفاهيم الموضة، كالبوركيني، وهي «فكرة أن المرأة في العرف الإسلامي، يجب أن تغطي جسمها بالكامل». ويعتبر ذلك غير متوافق دوماً مع القيم الفرنسية ولا القيم الجمهورية.
تقول لورنس روسينول، الوزيرة الفرنسية للعائلات والأطفال وحقوق المرأة، عن «البوركيني إنه طراز قديم وبالغ العمق» ويهدف لإخفاء جسد المرأة بالكامل، وزعمت أن ذلك يهدف للسيطرة عليها.
وكتبت اليمينية مارين لوبان، زعيمة الجبهة الوطنية أن فرنسا لا تغطي جسد نسائها، ولا تخفي نصف شعبها تحت ذريعة شعور الرجال بالإغواء أو الإثارة.
وفي هذا الشأن، وافق الجميع على قول عالم الاجتماع التركي نيلوفر غول، الذي كرره لعقود طويلة، أن السياسيين المتشددين يسعون لكبح الحريات العامة، من خلال الحد من إمكانية ظهور المرأة، وهو ما يعني بالضرورة انه جهد للسيطرة على حياة المرأة.
وبالمقابل، تكتب إكرام بن عيسى وجهة نظر إيجابية لأحد المواقع، حول أنه يجب أن يكون الناس أحراراً في ارتداء ما يريدونه ، مضيفةً «متى سيحظى كافة المسلمين في أوروبا بالاحترام، ويعاملون كمواطنين متساوين في الحقوق؟ متى سنتوقف عن تهميش ملايين المسلمين الأوروبيين، لا سيما النساء؟».
تؤيد الصحافية النمساوية المصرية منيرفا حماد وجهة النظر تلك قائلة: نحن في عام 2016، ألا يمكننا منح النساء الحرية في اختيار ما يرغبن بارتدائه؟ ألن يكون ذلك شكلاً نهائياً للتحرر؟.
لا يعني اختيار كثير من النساء الشهيرات التكشف، والتغني بمفاهيم النسوية بأنهن أحرار.
الحرية تبدأ من داخل الرأس، أي الأذهان، وليس فيما يوضع عليه. وتتحدث الصحافية عن تجارب مختلفة عاشتها في أميركا، حيث كانت تسبح مرتدية البوركيني، قائلةً: «أمضيت وقتاً ممتعاً وأنا أسبح في تكساس. إذ لم يرمقني أي أحد بنظرات غريبة، أو يجبرني على خلعه. كما لم يقلق أي أحد من نوع الملابس التي كان الناس يرتدونها». وفي إشارة إلى الاختلافات بين العلمانية الفرنسية والعلمانية الأميركية، أشارت إلى الانقسام داخل الغرب.
لقد ناقشت عدم الانسجام ذلك في مقابلة مع الرئيس التركي السابق عبد الله غول، خلال الربيع العربي عام 2012. عندما أخبر رئيس الوزراء التركي، حينها، رجب طيب أردوغان، بضرورة عدم القلق من العلمانية، وأكد غول: المؤسف أن تفسير بعض دول المنطقة للعلمانية قد استند إلى النموذج الفرنسي، وهو نموذج يستند إلى فرض نوع من الإلحاد. فعندما تخاطب الدول المسلمة عن العلمانية، يساء فهمها لأن فكرهم يتجه للنموذج الفرنسي.
عملياً، فإن تطبيق العلمانية يعني مواجهة الإسلام باسم العلمانية. وعلى الجانب الآخر وفي حال استخدام التفسير الانجلو ساكسوني للعلمانية، وذلك على غرار ما هو مطبق في أميركا أو بريطانيا، فإنه أمر يجب أن يشعر الناس إزاءه بالراحة.
كل ما تعنيه العلمانية هو فصل الدين عن الدولة، أو الإبقاء على المسافة ذاتها بين الديانات، بصفتها راعية لجميع المعتقدات. كما أنها تستند أيضا إلى احترام جميع الديانات والتعايش بين المعتقدات الجمعية.
لقد ولدت الجمهورية الفرنسية وأصولها العلمانية نتيجة الثورة ضد الكنيسة الكاثوليكية، المتماشية مع النظام الملكي. وبالمقابل نشأت الجمهورية الأميركية من الرغبة في العثور على الحرية العقائدية.
وبالتالي، ليس من المفاجئ أن فرنسا الحديثة التي تحتضن مسلمين يصل عددهم إلى 5 ملايين مسلم، والتي تتشافى، على نحو كبير، من مستعمراتها السابقة في شمال إفريقيا، قد أصبحت الحافة لصراع الحضارات الذي تسعى لتجنبه.