إن وتيرة الحياة سريعة جداً، وإن غداً سيكون في الماضي في لحظة، وإن العام 2030 لن يكون بعيداً عنا. كل ذلك لأن المتغيرات متسارعة في الحياة بسبب الكم الكبير من الابتكارات التي نشهدها كل يوم. إن الابتكارات التقنية أصبحت تخيفني، لأنها تحوي بعض السم في العسل؛ وذلك لا يفقدني شيئاً من تفاؤلي تجاهها ولكنني واقعي في الوقت نفسه. لقد أصبحت أعيش لحظات التفاؤل بترقب لا يخلو من خوف! لا تسألوني كيف؟
بحلول العام 2030 سيشهد العالم مجموعة من الابتكارات التي لا يمكن استيعابها أو حتى تصورها في الوقت الحاضر. وإن نسبة تحققها بالمقارنة إلى عدم تحققها متساوية، وقد تتجاوز ذلك، تلك النسبة مبنية على القراءات لما يحدث لنا اليوم. إننا سنشهد تعايش الحواسيب معنا وستغزو كل تفاصيل حياتنا، دون أن نشعر بها.
ستكون هناك حيوانات افتراضية بعقول رقمية. سنشهد أول مشروع ضخم متعلق بهندسة الطقس (geoengineering) وذلك لمعالجة الكابوس العالمي ظاهرة التغير المناخي. سيكون باستطاعة الإنسان الوصول للمريخ إما عبر مشاريع الحكومة أو من خلال الرحلات الخاصة. الحد من علامات التقدم العمري. روبوتات مستقلة مرخصة للقتل. سيُكتشف دواء يتناسب مع البناء أو التكوين الجيني لكل فرد، فضلاً عن أن العلماء قد قطعوا شوطاً نحو التوصل إلى بناء أنسجة من خلايانا مما سيساعد على بناء أعضاء بشرية مثل القلب والكلى... وغيرهما، مما يجعلنا نستغني عن المتبرعين.
لقد قامت شركة مايكروسوفت بإطلاق «كليبي clippy»، وهو عبارة عن مساعد مكتبيّ والذي أثبت أنه مساعد مزعج. كما أنه ليس بجديد علينا أن شركة «أبل» أطلقت «سيري siri»، وهو عبارة مساعد ذكي يستجيب لقائمة من اللغات المحددة لتصفح الإنترنت والقيام ببعض المهام المكتبية. ولكن ذلك لا يقارن بما سيحدث بحلول العام 2030، لأنه بحلول هذا العام سيتطور المساعد الشخصي بحيث سيستجيب لكل اللغات واللهجات، وسيتجاوز ذلك وسيتدخل في الخصوصيات. وسوف نحظى بمحادثات شخصية معه. سيتعرف إلى كل شيء عنّا.
سيقوم بكتابة البريد الإلكتروني وسيتواصل بالنيابة عنا عبر شبكات التواصل الاجتماعي بأي شكل ستكون عليه آنذاك، وسيقوم بحجز المواعيد وتنفيذ طلباتنا الشخصية وتوقّع احتياجاتنا. ولكننا سيكون كل منا مسؤولاً عن تلك القرارات التي سيتخذها مساعده الشخصي بالنيابة عنه. إن الموضوع لا يخلو من الخطورة والتبعات، لذا ينبغي لنا أن نحتاط لذلك وأن نحد من استقلالية هؤلاء المساعدين ذوي الذكاء الاصطناعي وإلا سنواجه مسؤولية القرارات المصيرية التي اتخذها هؤلاء المساعدون.
أمام كل ذلك هل ينبغي لنا أن نخشى من تلك الاختراعات المستقبلية؟ إننا لو نظرنا إليها فإنها لن تتجاوز الاستخدام المزدوج للأشياء، فالمسدس مثلاً نستخدمه للحماية وكذلك للقتل، ومنذ وجود الإنسان على كوكب الأرض بدأ استخدام عقله لتسخير ما هو موجود من أجل راحته، وليكون قادراً على مواجهة ما تعترضه من تحديات ومواقف تحتاج إلى حلول إبداعية كي يستطيع تجاوزها.
وفعلاً هذا ما قد كان، إذ استطاع الإنسان أن يحوّل هذه الأرض إلى جنة، وإلى مكان يلائم الحياة ويتماشى مع التطور، ولم يأت هذا الجهد بين يومٍ وليلة، بل استغرق آلاف السنين لتصل الأرض إلى ما وصلت إليه في يومنا هذا، ولا يدري أحد كيف سيكون شكل الأرض في السنين أو العقود أو القرون المقبلة، فعجلة التطوُر ما زالت مستمرة في الدوران ونحن أمام احتمالات مفتوحة، ولكن الإنسان احتوى كل التحديات بسبب تطور عقله، فعقل الإنسان يتطور ويتكيف بتطور الحياة المحيطة به، ولا أتصور الابتكارات والتقنيات المستقبلية بالند القوي الذي يستطيع أن يتغلب علينا لأن عقولنا هي من وضعته وهي التي تستطيع تسييره لخدمتها وخدمة البشرية جمعاء.