من نافلة القول أن الشباب هم عماد النهضة والعمود الفقري لها، بأفكارهم تتحقق، وبحركتهم الدائمة المتدفقة تدوم، وبعلمهم يتم المحافظة عليها. ومن نافلة القول كذلك أن الشعوب الفتية اليقظة هي التي تتعاظم فيها شريحة الشباب الفاعل، وأن أخوف ما تخاف الأمم هو أن تتراجع شريحة الشباب في تركيبتها السكانية، وإن كانت متقدمة فذاك مؤشر خطر على مستقبلها القريب.

والحق أن أهمية الشباب تأتي من الأدوار التي يقومون بها، وتلك التي تنتظرهم، فهم القادرون دوماً على تقبل الجديد، ولا مانع من قليل من المجازفات المحسوبة، كما أن فكرهم الغض وحيويتهم تحول بينهم وبين القدرة على عدم التكيف، ثم أنهم أبناء عصرهم، وأفكارهم تنبع غالباً من ضمير نقي لم تلوثه الارتباطات الذاتية بعد، لذا كان التعويل دائماً عليهم، والنظر في عيونهم إلى المستقبل.

والحق كذلك أن شباب الإمارات كانوا دوماً محط أنظار قادتهم، وموضعاً دائماً لثقتهم، ورأسمال اجتماعياً دأبت على الاستثمار فيه عبر التعليم والتدريب، كما أنه الثروة التي لا تنفد بفكرها المتجدد، ولأنها القيمة الحقيقة التي يمكن التعويل عليها كان الدق المنتظم من القيادة الرشيدة على فتح آفاق رحبة لمشاركتهم في مسيرة الوطن، باعتبارهم حجر الزاوية فيها، ولأن الإمارات عندما تريد أن تكون الرقم واحد فهي تعد العدة لذلك، وأولها تهيئة شبابها والدفع بهم إلى الصفوف الأمامية لتحمل المسؤولية، وهو ما أكد عليه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بقوله «إن الشباب هم قوة الأوطان وأملها في بناء غدٍ أفضل، وأن شباب الإمارات هم حاضر دولتنا ومستقبلها المزدهر، فهم مخزون طاقتها، ومصدر ثروتها، وقلبها النابض، بالحيوية والنشاط نحو مزيد من التقدم والرخاء لمجتمعاتنا، وبهمتهم نصنع مستقبلاً مشرقاً، ونحقق أعلى المراتب والمراكز على مستوى العالم».

ومن يتأمل تلك الكلمات يجد أنه رغم ما بها من تشريف غير أنها تنطوي على رؤية تحمل مهام محددة ينتظرها الوطن من شبابه، والأدوار التي يجب أن يقوموا بها، باعتبارهم يمثلون القلب للجسد. وهل للجسد أن يتحرك أو تدب فيه الحيوية دون قلب سليم، وهل له أن ينشط ليضخ دماء الحياة في بقية الأعضاء وهو معتل، تلك هي المكانة وهذه هي المهمة، وأكرم بها حين يكون مركز الحركة بقوته يقوى الوطن، وبحيويته ينشط ويتحرك أبناؤه.

ولقد جاء إطلاق الأجندة الوطنية للشباب معبراً ومتسقاً ومفعلاً لتلك الرؤية، كما أنها في تقديري تأطير للعمل الشبابي بعيداً عن اللغة العاطفية، لكنها إطار عمل واضح يؤكد إرادة سياسية ترى أن للشباب الدور الأساس في مسيرتنا الوطنية، كما أنها تأتي محددة لمراحل الإعداد والتهيئة التي يتطلبها الشباب، والطريق لكي يكون صاحب قوة دفع إيجابية له ولمجتمعه من خلال فتح آفاق رحبة للتعبير عن أنفسهم، وإعطائهم فرصاً متكافئة في صقل مهاراتهم وقدراتهم القيادية.

إن الاهتمام بالشباب يعني التخطيط الحقيقي للمستقبل، وإن الكلام عن المستقبل دون أن يكون الوجه الآخر له قوة الدفع الشبابية هو لا شك غير مكتمل، لذا فإن نهج حكومتنا الدائم كان الاهتمام بالشباب من خلال إعداد جيل مزود بالعلم، ومكتسب لمهارات عصره، منفتح على العالم، في الوقت الذي يلتزم بثوابته القيمية، ومعتزاً بتاريخه، يدرك أن سقف الطموح الوطني بلا حدود، وأن له كل الفرص في التعبير عن ذاته من خلال بيئة مهيئة ومحفزة للفكر والإبداع تتيح الفرصة كاملة لتحمل المسؤولية وتساعده على التخطيط لمستقبله.

ولا شك أن نص الأجندة الوطنية للشباب على العديد من المبادرات الحية والفاعلة، مثل تحويل السياسات المؤثرة على الشباب إلى مجلس الإمارات للشباب لإبداء الرأي ومعرفة انطباعات الشباب عن السياسة عبر مجالس الشباب في كل إمارة، هو شكل مهم وفاعل للمشاركة السياسية من المعنيين، فمن الأهمية بمكان أن يكون الشباب طرفاً فيما يخصهم من سياسات، كما أن ذلك بيان عملي لتحمل مسؤوليتهم الوطنية لكي يكونوا فاعلين ومخططين لمستقبلهم، فضلاً عن ذلك أن هذه المجالس ستكون حلقة الوصل الناقلة لصوت الشباب إلى مجالس الإدارات وصناع القرار في المؤسسات المختلفة، وهو ما يصنع حالة من السيولة ويحول دون الانسداد الفكري بين الشباب ومختلف القطاعات في الدولة، وهو من شأنه أن يمثل قوة دافعة لعمل الشباب حين يشعر أن صوته مسموع ورأيه يعتد به، وهو الأمر الذي اشتملت عليه الأجندة الوطنية من خلال إنشاء مركز وطني للبيانات الشبابية يعنى بجمع البيانات المعنية بالشباب، ويكون داعماً لعملية صناعة القرار من خلال تضمين رأي الشباب في كل الاستطلاعات، فضلاً عن المنصة التفاعلية بين الحكومة والشباب.

إن الأجندة الوطنية للشباب في تقديري تمثل إطاراً جامعاً وخارطة عمل وطني جعلت من الشباب محورها بدءاً من الإطار الوطني وصولاً إلى برنامج المندوبين الشباب الإماراتيين لدى الأمم المتحدة، أي محلياً وعالمياً، وتلك هي الريادة بحق.