جاء العرب الأوائل الذين استقروا في ساحل شرق أفريقيا وجزره خلال عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان. وقد نفذ أوامر عبد الملك بن مروان في هذا الشأن الحجاج بن يوسف الثقفي واليه القدير في الحجاز واليمن (692-694) ولاحقاً في العراق.
وأصبح الحجاج الذي ولد في الطائف رئيس الشرطة وتمكن من استعادة وحدة الخلافة عبر إيقاع الهزيمة بعبدالله ابن الزبير الذي كان قد خرج على عبد الملك بن مروان.
وفي العراق استعاد الحجاج النظام عبر مواجهة الخوارج، في سلسلة من المعارك الضارية وأخيراً أسس مدينة واسط الجديدة، في منتصف المسافة بين الكوفة والبصرة عام 702 كمدينة تضم حامية من قواته ومقر إقامة له.
وكان الحجاج شاعراً وأشيد ببلاغته وتملكه من ناصية اللغة العربية. وانطلاقاً من العراق بعث بأشهر حملاته وعلى رأسها محمد بن القاسم فاتح السند، وحملة أخرى لدخول عمان. وهذا حدث في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك. ويخبرنا المؤرخون كيف أن الحملة الموجهة نحو شرقي أفريقيا أشرف عليها الحجاج بنفسه وكانت جهوده الدؤوبة في الإعداد للحملة ضمان لنجاحها.
وهكذا فإن شرقي أفريقيا استقر فيه أول الأمر عرب من العراق وكانوا يعرفون الطريق البحري، حيث كان العرب يبحرون إلى أفريقيا على امتداد قرون. وتذكر السجلات السواحلية فضلاً عن ذلك أن العرب أسسوا سبع مدن في تلك السنوات هي بروة أي الصومال الحالية ولامو وماليندي ومومباسا في كينيا وزنجبار ومنفية في تنزانيا. وأحب هؤلاء العرب الساحل كثيراً بحيث قرروا الاستقرار فيه.
وطلبوا من القادة المحليين أرضاً ليبنوا عليها، وتزوجوا من بناتهم. ويخبرنا المؤرخون كيف أن هذا أصل الأمة التي لاتزال تسمى بالسواحلي أو أبناء الساحل. وأبحرت السفن التقليدية العربية إلى شرق أفريقيا منذ ذلك الحين، ولا تزال تبحر من عمان والبحرين والكويت.
وكان أول شيء أراد العرب شراءه في شرق أفريقيا هو أعمدة شجر المنغروف، التي كانت تصنع منها سفنهم التقليدية. وجلبوا إلى شرق أفريقيا مئات من السلع التجارية المختلفة لا تزال أسماؤها تظهر أصولها العربية في كل اللغات الأفريقية.
وإلى جانب البضائع، جلب العرب أيضاً مهارتهم التي علموها للسكان المحليين. حيث بدأ السواحليون ببناء البيوت على الطراز العربي وفي جزيرة ماندا بالقرب من لامو عثر على بقايا مبنى عربي، وفخار من العراق، يعود إلى القرن الثامن، وربما من عهد الخليفة المنصور.
وهناك أكثر من مائة موقع تاريخي على الساحل بين بروة وموزمبيق. وأنشئت معظم هذه المباني على يد العرب. ووجدت كل النقوش الموجودة قبل القرن التاسع عشر باللغة العربية، ما عدا تلك التي تركها البرتغاليون في الفترة ما بين (1498-1698).
وجاء العرب بعد ذلك التاريخ من عُمان وأسسوا سلطنة جديدة في زنجبار. وأقام العرب الكثير من المساجد في شرقي أفريقيا. وأقدم مسجد معروف مؤرخ بنقش باللغة العربية يعود تاريخ بنائه إلى القرن الحادي عشر. وكل المساجد العائدة إلى القرون الوسطى هي أطلال الآن.
ولبعض المساجد خواص مثيرة للاهتمام، مثل مئذنة المسجد الموجود في مدينة مومباسا القديمة. ومن أروع المباني في شرقي أفريقيا مسجد الجنداني في مومباسا.
وإلى جوار بناء المنازل والسفن التقليدية والمساجد والمراكب الشراعية الكبيرة، علم العرب السواحليين الكثير من الفنون والحرف الأخرى. فجدران البيوت مزينة بالجص. وباستخدام نوع من الأزميل حفر الفنان أشكالاً زخرفية في الجص المبلل إلى أن يجف ويثبت الشكل.
الكثير من البيوت العربية في لامو ومومباسا وزنجبار بها أبواب خشبية أمامية متقنة الحفر. وأفضل فنان في إطار هذا التقليد كان محمد بن أبو بكر، الذي توفي عام 1945 وابنه حلوه من لامو.
ويتمثل فن آخر جرت ممارسته على الساحل في الأعمال الفضية. فمعظم الحلي المصاغة من الفضة قصد بها أن تكون حلياً للنساء. والموسيقى فن آخر علمه العرب للسواحليين وهناك تأثيرات عربية ممتدة في الأدب والكتابة السواحلية. ولايزال الكثير من الكلمات المستخدمة حتى اليوم كلمات عربية.