كانت المفارقة الكبيرة في حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية هي أنها ساعدت في توصل الصين إلى بعض الأهداف الاستراتيجية الرئيسية الأثيرة لديها، إضعاف نظام التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة منذ ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في المنطقة وتقويض العنصر الرئيسي في تمحور الرئيس الأميركي باراك أوباما حول آسيا، أي الشراكة عبر المحيط الهادئ، المعروفة اختصاراً بالحروف «تي بي بي».
وبالقول إن أميركا قد تتخلص من أعباء الحلفاء، زرع دونالد ترامب بذور الشك بين القادة في اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين ومناطق أخرى من آسيا. ويقول الرئيس الفلبيني رودريغو دوتريتي ما يعتقده الكثيرون، عندما يتساءل عن بقاء القوة الأميركية ويقر بالحاجة إلى إقامة علاقة أوثق مع الصين. وقال خلال زيارته إلى بكين أخيراً: «خسرت أميركا الآن، وحان الوقت للانفصال».
وينبغي أن يلاحظ أياً كان منفراً بخلاف ذلك عن ترامب، فإن فكرة التخلص من حلفاء عبء أميركا أو على الأقل بمطالبتهم بالمشاركة في تحمل الأعباء، تخاطب الرأي العام فيما يتعلق بالتزامات الحلف في كل من أوروبا وآسيا.
غير أن الصين يجب أن تكون حذرة حيال ما تتمناه في هذا الشأن. حيث يمكن أن ينتهي بها الأمر إلى إفراز يابان نووية في وقت أقرب وليس إذا ما طويت مظلة أميركا الدفاعية. ولا ينبغي تفكيك ترتيبات أمنية في المنطقة إلا بعد أن يتم استكمال بنية أكثر شمولاً، فالفراغ بحسب ما شهدناه في الشرق الأوسط سيكون خطراً بالنسبة للجميع.
وقد أدان كل من ترامب وهيلاري كلينتون تحت ضغط من جناح السيناتور بيرني ساندرز في الحزب الديمقراطي الشراكة عبر المحيط الهادئ التي كانت جوهر فكرة «ناتو اقتصادي»، التي ستكرس البنية التجارية الجديدة لشرق آسيا من شأنها أن تزيح الصين إلى الهامش.
وأشارت سنغافورة إلى أن الإخفاق في فهم الشراكة عبر المحيط الهادي التي وافق عليها القادة في الصين بتكلفة سياسية من خلال تجاوز مزارعي الأرز الأقوياء، سيجعل الحلفاء يشكون في نفوذ الولايات المتحدة. ومن شأن فشل الشراكة عبر المحيط الهادئ أن يمنح الصين مجالاً أكبر لتشكيل القواعد في المنطقة عبر اتفاقات تجارية ثنائية إقليمية بديلة.
ويثير ذلك سؤالاً أكبر: هل يمكن الاعتماد على الديمقراطية للوفاء بالالتزامات؟
يتعين على الولايات المتحدة أن تكون حذرة بشأن التجاوز في ضوء القلق المتزايد من جانب الحلفاء حول التزام الولايات المتحدة الطويل الأمد في مواجهة النفوذ المتزايد للصين. وكما قال جورج يو، وزير الخارجية السابق في سنغافورة: «بينما قد تقدر الدول الآسيوية الولايات المتحدة باعتبارها صديقاً، لا يريد أحد ما أن يعتبر الصين عدواً».
وكما كتب الباحث في جامعة بكين وانغ جي سي، أخيراً، فإن «الوضع العادي الجديد» للعلاقات بين الصين وأميركا هو سباق على كتابة قواعد النظام المستقبلي في كل من التجارة والأمن. وهناك اعتبار ينبغي الاهتمام به في هذا السياق.
وبدءاً من بريكست وصولاً إلى ترامب ومعارضة الشراكة عبر المحيط الهادي فإن رد فعل معارض للعولمة ينتشر على امتداد العالم. ربما نشهد انقساماً جديداً في العالم؟ وتفضل الدول الآسيوية العولمة التي تعطيها مدخلاً إلى الأسواق الغربية، إلا أن الرأي العام الغربي يريد الانسحاب.
ومن ناحية أخرى، يرى البعض الحنين الماوي الجديد يكتسح أجزاء من الصين باعتباره «نزعة شعبوية بحروف صينية»، والعولمة التي تتحدى كذلك الشمول في الازدهار أوجدت الكثير للبعض، بينما تركت آخرين خلفها.
إن عادة وضع الأجندة بين أميركا والصين عقب الانتخابات الأميركية ستقتضي خطوتين مباشرتين. أولاً، على الجانب الصيني، يحتاج تشي جينبينغ وباقي القيادة الصينية إلى توضيح رؤيتهم للعالم بجلاء وكذلك نواياهم.
وقد ابتعد جيينبينغ عن الدرب الذي سار عليه كل القادة السابقين خلال عهد «الإصلاح والانفتاح»، ولا يدرك باقي العالم بوضوح ما الذي تريده الصين وأين تتجه. والغموض يقود إلى الشك وإساءة التفسير وعدم الثقة.
ثانياً، ينبغي أن تؤكد القيادة الأميركية الجديدة أنها لا تسعى إلى تقويض نظام الحزب الواحد الصيني، من خلال إثارة «ثورة الألوان» كالتي شهدتها أوكرانيا. هذا التأكيد ينبغي توصيله مباشرة من الرئيس إلى الرئيس. وهذا القلق يعد أساسياً في أذهان قادة الصين ويلقي بظلاله على كل الجوانب الأخرى في العلاقة.
وبالإضافة إلى هذا، فإن الإدارة الأميركية الجديدة ينبغي أن تقوم بالانضمام إلى بنك البنية التحتية الآسيوية للاستثمار الذي أطلقته الصين، لإظهار أن هناك أرضية للاتفاق على القواعد والمؤسسات الشاملة بالنسبة للمستقبل وليس التنافس فحسب.