ازدادت نسبة القلق لدى العرب والمسلمين في العديد من الولايات الأميركية، خاصة التي تنشط فيها الآن القوى العنصرية الحاقدة على الأميركيين الأفارقة والمهاجرين الجدد، والمسلمين خصوصاً. وما يحدث في الولايات المتحدة لا ينفصل طبعاً عن المناخ السلبي السائد في أوروبا ضد المهاجرين والمسلمين.

والذي تضاعف وتعزّز بعد حدوث أعمال إرهابية في فرنسا وألمانيا وبلجيكا، وهي الدول التي تقود الاتحاد الأوروبي، وبعد تدفق عشرات الألوف من المهاجرين واللاجئين من دول عربية وإسلامية.

لكن هناك في داخل الغرب قوى ترفض العنصرية، وتريد التفاعل الإيجابي مع المسلمين، وترحب بهم في أوطانها، كما هناك في داخل الغرب قوى تُسعّر العداء معهم. وهناك في داخل الغرب قوى تتصارع مع بعضها البعض، كما هناك في داخل العالم الإسلامي أيضاً حروب داخلية على أكثر من مستوى.

أي، ليس هناك الآن جبهتان متحدتان ضد بعضهما البعض: غربية وإسلامية، بل هناك كتل متنوعة وقوى متصارعة في كلٍّ من الموقعين.

ولقد مرّت الصورة المشوّهة للعرب والمسلمين في الغرب عموماً بثلاث مراحل، فهناك مرحلة ما قبل سقوط «المعسكر الشيوعي»، حيث كان التركيز السلبي على الإنسان العربي تحديداً (كهويّة قومية وثقافية دون التطرّق للبُعد الديني)، من خلال توصيفه عبر الإعلام وبعض الكتب والأفلام السينمائية، بالإنسان الماجن والمتخلّف.

وفي هذه المرحلة، جرى تجنّب الحملات السلبية على الإسلام أو المسلمين عموماً، بسبب تجنيد المسألة الدينية الإسلامية في مواجهة «المعسكر الشيوعي»، كما حدث في أفغانستان ضدّ الحكم الشيوعي فيها، وكما جرى في تحريك جمهوريات إسلامية في آسيا ضدّ موسكو الشيوعية

.أمّا المرحلة الثانية، فقد بدأت بمطلع عقد التسعينيات، واستمرّ فيها التشويه السلبي للهويّة القومية الثقافية العربية، لكن مع بدء التركيز أيضاً على الهويّة الدينية الإسلامية، حيث تجاوز التشويه، العرب، ليطال عموم العالم الإسلامي، باعتباره «مصدر الخطر القادم» على الغرب، و«العدو الجديد» له بعد سقوط «المعسكر الشيوعي».

في هاتين المرحلتين، لعبت (ولا تزال إلى الآن) الجماعات الصهيونية وقوى عنصرية ودينية متعصّبة ومتصهينة، الدور الأبرز في إعداد وتسويق الصور المشوّهة عن العرب والإسلام. بدايةً، لإقناع الرأي العام الغربي بمشروعية وجود إسرائيل (مقولة شعب بلا أرض، على أرض بلا شعب)، وبأنّ العرب شعب لا يمثّل الحضارة الغربية، كما تفعل إسرائيل!.

ثمّ أصبح الهدف في المرحلة الثانية (أي في مطلع التسعينيات)، هو تخويف الغربيين من الإسلام والمسلمين كعدوٍّ جديدٍ لهم، وفي ظلّ حملة واسعة من الكتابات والكتب والمحاضرات عن «صراع الحضارات»، وبشكل متزامن أيضاً مع ظهور مقاومة للاحتلال الإسرائيلي بأسماء إسلامية.

المرحلة الثالثة، ظهرت عقب الأحداث الإرهابية في 11 سبتمبر 2001، وما لحقها من أعمال إرهاب مشابهة في بلدان مختلفة، جرت تحت أسماء جماعات إسلامية، وأصبح يُرمز إليها، اختصاراً لمفاهيمها وأساليبها، بجماعات «القاعدة» رغم عدم تبعيتها لقيادة واحدة، وهذه المرحلة تجدّد نفسها الآن، من خلال ما قامت وتقوم به «جماعات داعش» من إرهاب ووحشية.

وخطورة هذه المرحلة الثالثة، أنها حوّلت ما كان مجرد كتاباتٍ في عقد التسعينيات عن «العدو الجديد للغرب»، إلى ممارساتٍ ووقائع على الأرض، كان المستفيد الأول منها إسرائيل والمؤسّسات الصهيونية العالمية، التي كانت تُروّج أصلاً لمقولة «الخطر القادم من الشرق»، والتي لها أيضاً التأثير الكبير في صناعة القرارات السياسية في أميركا والغرب.

أمّا على الجهة الأخرى من العالم، فنجد وضعاً مأساوياً داخل عدّة بلدان إسلامية، وهو ممزوجٌ معظم الأحيان بتدخّل خارجي، ولقد أصبح العنف ظاهرة بلا ضوابط في المجتمعات العربية خصوصاً.

ودول العالم الإسلامي عموماً، وهذا نراه الآن حتّى في مجتمعات سعت لتغيير الحكم فيها، بينما التغيير القائم على العنف المسلّح والقتل العشوائي للناس، يؤدّي حتماً إلى تفكّك المجتمع، وإلى صراعات أهلية دموية، وإلى بيئة مناسبة لنموّ واحتضان جماعات إرهابية، وإلى مبرّرات لتدخّل إقليمي ودولي يُكرّس تقسيم المجتمعات والأوطان ويُدوّل قضاياها.

تشويه الصورة العربية والإسلامية في الغرب، رافقه ويرافقه، عاهات وشوائب كثيرة، قائمة في الجسمين العربي والإسلامي، ولذلك، فإنّ تصحيح الذات العربية، والذات الإسلامية، يجب أن تكون له الأولوية، قبل الحديث عن مسؤولية الغرب، علماً بأن العرب يتحملون، بحكم المشيئة الإلهية، دوراً خاصاً في ريادة العالم الإسلامي، فأرضهم هي أرض الرسل والرسالات السماوية، ولغتهم هي لغة القرآن الكريم، وعليهم تقع مسؤولية إصلاح أنفسهم وريادة إصلاح الواقع الإسلامي عموماً.

إنّ المناخ السياسي والثقافي والإعلامي في الولايات المتحدة، والغرب عموماً، هو جاهزٌ لكلّ عاصفة هوجاء وأعاصير ضدَّ كلّ ما هو عربي وإسلامي، لكن للأسف، فإنَّ ما صدر ويصدر عن جماعات التطرّف العنفي، وما يحدث من ممارسات إرهابية هنا أو هناك، أعطى ويعطي وقوداً لنار الحملة على العرب والمسلمين أينما كانوا.

إنّ اتساع دائرة العنف الدموي باسم الإسلام، أصبح ظاهرةً خطرة على المسلمين أنفسهم، وعلى كافّة المجتمعات التي يعيشون فيها. وهذا أمر يضع علماء الدين أولاً أمام مسؤولية لا يمكن الهروب منها، كذلك هي مسؤولية الأهل في كيفية تربية أولادهم، كما هي مسؤولية الكُتّاب والمفكريين والإعلاميين وكل المؤسسات الحكومية والمدنية في عموم العالم الإسلامي.

لذلك، فإنّ الموقف المبدئي الرافض لأساليب العنف في المجتمعات أينما كان، هو المطلوب الآن، لا الاكتفاء بالإدانة النسبية فقط، تبعاً لاختلاف المكان والمصالح.

إن الساحة الأميركية مفتوحة الآن لجماعات «السوء»، لبثِّ سمومهم وأحقادهم على الإسلام والعرب، لكن أيضاً هي ساحة مفتوحة (ولو بظروف صعبة)، على «دعاة الخير» من العرب والمسلمين، لكي يصحّحوا الصورة المشوَّهة عنهم وعن أصولهم الوطنية والحضارية.

وكما هناك العديد من الحاقدين في الغرب وأميركا على العرب والمسلمين، هناك أيضاً الكثيرون من الأميركيين والغربيين الذين يريدون معرفة الإسلام والقضايا العربية من مصادر إسلامية وعربية، بعدما لمسوا حجم التضليل الذي كانوا يعيشونه لعقود.

فإذا كان الغرب تحكمه الآن حالة «الجهلوقراطية» عن الإسلام والعرب، فإنَّها فرصة مهمَّة (بل هي واجب) على العرب والمسلمين في الغرب، أن يعملوا من أجل استبدال «الجهلوقراطية» الغربية، بالمعرفة الفكرية السليمة عنهم وعن أصولهم الثقافية والحضارية.