لم يكن دونالد ترامب ليتمكن من إنجاز وصوله للبيت الأبيض دون ثلاثة عوامل مساعدة يستحق أن يساءل عليها بالنسبة إلى الأمور التي ستقع مستقبلاً. ويتمثل أول تلك العوامل بالحزب الجمهوري. فلسنوات كثيرة رعى الحزب الجمهوري كراهية الأجانب والعنصرية والادعاءات الخالية من الواقعية والتجاهل المتعمد للمؤسسات الديمقراطية التي تغذى ترامب عليها.

وعملت سياسة إشاعة الخوف من المهاجرين على إيجاد ترامب، وخلال الانتخابات التمهيدية للجمهوريين لهذا العام، أشار بن كارسون إلى أنه لا يجب بأن يكون أي مسلم رئيساً للولايات المتحدة. واقترح كل من جيب بوش وتيد كروز تقسيم اللاجئين السوريين حسب ديانتهم، إلى فئتين مسيحية ومسلمة، مع السماح للفئة الأولى بالدخول الرسمي للبلاد، وحسب.

لا تعد عنصرية ترامب أمراً جديداً، فلطالما لعب الجمهوريون على البطاقة الطائفية، مع اتهام الديمقراطيين بمعاملة الأميركيين من أصل أفريقي بكل لطف، والتساهل مع جرائم السود. (هل تذكرون إعلان ويلي هورتون).

ولقد جاءت تهديدات ترامب بأن لا يكون ملزماً بنتائج الانتخابات متسقة مع تهديدات الحزب الجمهوري المستمرة بإيقاف نشاط الحكومة بسبب خلافات سياسية، إلى جانب الدعوات المتكررة لإبطال قرارات المحكمة العليا.

يكمن العامل الثاني الذي دفع بترامب في الإعلام. فبحسب ما خلصت إليه دراسة أجراها مركز شورنستاين بجامعة هارفارد، وذلك حول وسائل الإعلام والسياسة والسياسات العامة: «يمكن القول إن ترامب هو أول مرشح رئاسي، غير زائف، أوجدته وسائل الإعلام».

وفي شهر مارس الماضي، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن ترامب قد تلقى نحو 1.9 مليار دولار من الاهتمام المجاني من قبل وسائل الإعلام بكافة أنواعها، أي أكثر بمرتين مما تلقته هيلاري كلينتون، وأكثر بست مرات مما حظي به تيد كروز الذي يعتبر أقرب منافس جمهوري لترامب. لقد كان ترامب بالفعل شخصية إعلامية، الأمر الذي أوجد بالمقابل أرباحاً كبيرة لوسائل الإعلام.

وأعلن كاتب الأعمدة جيم زوكر أن رئيس شبكة «سي إن إن» جيف زوكر كان مندفعاً بشأن معدلات المشاهدة بسبب ترامب، قائلاً الأخير: «إن تلك الأرقام تبعث على الجنون بالفعل».

لم يكن الإعلام يتودد لدونالد ترامب وحسب، بل فشل في قمع تأكيداته، ومقترحاته السياسية، والتدقيق في سيرته الذاتية، وهي أمور ولت إلى المرشحين العاديين. لقد أصبحت «فوكس نيوز»، على وجه التحديد، مكبر صوت ترامب، كما أن المذيع في القناة، شان هانيتي، وكيل ترامب اليومي على الهواء.

ويأتي الدافع الثالث لترامب في الحزب الديمقراطي. فبينما لعب الجمهوريون ببطاقة السباق لدفع الطبقة العاملة للتخلي عن الحزب الديمقراطي، تخلى الديمقراطيون، بالمقابل، عن الطبقة العاملة، الأمر الذي مهد الطريق لترامب.

لقد احتل الديمقراطيون البيت الأبيض لنحو 16 أو 24 عاماً ماضية، وخلال أربع سنوات من تلك الأعوام سيطر الديمقراطيون على مجلسي النواب والشيوخ، ليفشلوا خلال ذلك الوقت في عكس انخفاض رواتب الطبقة العاملة، ناهيك عن انخفاض الوظائف. ولقد مضى كل من بيل كلينتون وباراك أوباما، بحماس، لعقد اتفاقيات التجارة الحرة، دون اتخاذ إجراءات وقائية بشأن ملايين العمال من ذوي الياقات الزرقاء، ممن فقدوا بسبب ذلك وظائفهم.

لقد تم التضامن مع الشركات المسؤولة عن النقابات العمالية، الجزء الأهم للطبقة البيضاء العاملة. مع الفشل في إعادة إصلاح قوانين العمال وفرض عقوبات ذات جدوى على الشركات التي تنتهكها.

لقد سمح كل من كلينتون وأوباما بتحجر قوانين مكافحة الاحتكار مع نتيجة تشير إلى نمو المؤسسات الكبيرة، على نحو كبير للغاية، وأصبحت الصناعات الكبرى أكثر تركيزاً.

لقد كانت النتيجة غير المفاجئة جاءت في تحول القوة الاقتصادية والسياسية للمؤسسات الكبرى والأثرياء، مع نبذ الطبقة العاملة، الأمر الذي فتح المجال لإيجاد غوغائية في شكل ترامب.

وفي طريقه إلى البيت الأبيض، سمم دونالد ترامب أميركا. إلا أنه لم يفعل ذلك وحده. بل تلقى مساعدة من الحزب الجمهوري، والإعلام، والحزب الديمقراطي. وحالياً يتبدى السؤال المناسب في عهد ترامب بـ:ما الذي تعلمته كل تلك الدوافع المساعدة لترامب؟