حينما بدأت استغرب ما إذا كنت أمضي الكثير من الوقت في الكتابة عن الإرهاب في فرنسا، توجه محمد لحويج بوهيل، لقيادة شاحنة بضائع، مما أفضى عن دهس حشد تجمهر في مناسبة لإطلاق الألعاب النارية بمناسبة عيد الباستيل الوطني بمدينة نيس الفرنسية، ما أسفر عن مصرع 84 شخصاً، وجرح 303 آخرين.
لقد جاء الهجوم في وقت حرج للغاية بالنسبة إلى الحكومة الاشتراكية للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند. وقد نُشر أخيراً، تقرير للجنة البرلمانية التي أمعنت في الوسائل التي استخدمتها الدولة الفرنسية لمواجهة الإرهاب، منذ شهر يناير عام 2015.
ففي يناير 2015 عمد متطرفان لقتل 12 شخصاً بالمقر الرئيسي لمجلة تشارلي أبدو الساخرة. بما فيهم موظفين وضباط شرطة، مع جرح آخرين. وعقب مرور 10 أشهر وحسب، ضربت سلسلة من الهجمات الإرهابية المنسقة مواقع متعددة في باريس، متضمنة مقاهي، ومسرح «باتاكلان»، والمنطقة الخارجية لملعب فرنسا، الأمر الذي أفضى لقتل 130 شخصاً، وجرح نحو 368 آخرين. لتسعى الحكومة الفرنسية لفهم كيفية وقوع مثل ذلك الهجوم لمرتين متتاليتين.
وأخيراً، عمل التحقيق على إلقاء اللوم بالنسبة إلى الهجمات على البيروقراطية الفرنسية، التي لا تعتبر حتى أجهزتها الأمنية محصنة ضدها، والتي يسهل إرباكها للغاية من قبل الإرهابيين الذين اعتزموا التسلل من خلال الثغرات.
ودافع وزير الداخلية برنار كازنوف، الذي تعمل أجهزة استخباراته في الخارج، وخدمات إنفاذ القانون على الإشراف على النظام، قائلاً: «أريد أن أذكر بأنه ليس لدى (الاستخبارات الداخلية الفرنسية) تفويض للتحقيق مع الأجانب الذين يعملون في الخارج، وذلك كما يعلم جميع المطلعون على مثل هذه القضايا».
كما أشار برنار كازنوف إلى إنه على الرغم من عبور المهاجمين الحدود الأوروبية، فإنه لم يتم التبليغ عنهم من قبل أي أجهزة استخبارية أخرى، حتى أن «الأجهزة الأميركية لم تتعرف عليهم عند عبورهم وسط أوروبا». وبالتالي فإن الأمر عبارة عن غلطة وكالة الاستخبارات المركزية، لإخفاقها التعرف على الإرهابيين من المواطنين الفرنسيين الذين يجرون باهتياج في أوروبا.
وأشار رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس في لقائه مع صحيفة «جورنال دو ديمانش» في أعقاب هجوم نيس إلى صورة قاتمة للموقف قائلاً: «يعتبر التهديد الإرهابي حالياً، مسألة مركزية وثابتة، لقد رفضنا رؤية الحقيقة الظاهرة أمام أعيننا، ونسيناها، ومضينا قدماً، ولكن يجب قول الحقيقة للفرنسيين، ألا وهي أن الإرهاب سيكون جزءاً من الحياة اليومية لفترة طويلة».
وللأسف، فإن الطبقة الحاكمة التي أوجدت تلك الفوضى، نظراً لاتباعها سياسات الأمن والهجرة الضعيفة، ليس لديها أي سلطة أخلاقية لنقل ذلك الفشل للعامة، والطلب من المواطنين الفرنسيين التخلي عن الفكرة المحتملة لاختفاء العنف. لقد حذر مانويل فالس أيضاً من ردود أفعال بعض الذهنيات تجاه تنظيم «داعش»، الذي ادعى مسؤوليته عن تلك التفجيرات.
ولكن عذراً، ليس لدى الوزير أي حق في إخبارنا أن لا نضيق ذرعاً من عمليات القتل الجماعية. وهناك طريق طويل أمام رئيس الوزراء والمسؤولين الفرنسيين لجعل أنفسهم مفيدين حتى عقب تحويل البلاد إلى قنبلة ديموغرافية موقوتة.
محمد لحويج بوهيل الذي منح إقامة وصلت مدتها إلى عشر سنوات، (ومسألة الحصول عليها كما يبدو تعد سهلة بالنسبة إلى البعض، كالحصول على جائزة من تسالي كراكر جاك)، ظل عاطلاً عن العمل لبعض الوقت، في حين أشارت صحيفة «ديلي ميل» إلى أنه أرسل نحو 240 ألف دينار تونسي، أي نحو 108 آلاف دولار أميركي لعائلته في تونس، في الأيام التي سبقت الهجوم.
وكما تم ذكره، وجد محققون على روابط تجمع بين مقاتلين معروفين والجاني بوهيل، وذلك أثناء تفقد سجل هاتفه، بما فيهم إمام محلي له علاقات مشبوهة بجبهة النصرة.
وفي هذه الأثناء، ينبغي التوقف عن محاولة إخبار العامة في فرنسا بصيغة ردود أفعالهم الواجبة حيال التهديدات الحقيقية لحياتهم. فقد بدا رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس ساذجاً عندما قال إن ردة فعل عمدة نيس، كريستيان استروسي، بالنسبة إلى الهجمات في مدينته، لم تكن ذات معنى كرد فعل عمدة باريس آن هيدالغو. فهذه حرب وليست مسابقة لمعرفة من يمكنه أن يقدم أكثر الاقتباسات الفعّالة في مواجهة حالة هيجان مهلكة.
قال رئيس وكالة المخابرات الداخلية الفرنسية باتريك كالفار للجنة البرلمانية: «نحن على شفا حرب أهلية» وادعى احتمالية أن يفجرها «أقصى اليمين». إلا أن ذلك يظهر كاحتمال حقيقي، في حال لم تُجرِ الحكومة الفرنسية المزيد من الإجراءات لحماية مواطنيها اليائسين.