أتاح الحزب الديمقراطي لدونالد ترامب فرصة نادرة لإدخال تغييرات كبيرة على الخريطة الانتخابية يمكن أن تستمر لسنوات مقبلة.
أولاً، قدم الديمقراطيون لترامب هدية عظيمة من خلال استكمالهم التطرف المستمر لحزبهم في عهد الرئيس باراك أوباما. وعقب عام 2008 لم يعد هذا حزباً للطبقتين العاملة والوسطى، وإنما هرم سياسي غير متوازن.
وفي القمة توجد النخب التي ظهرت في بريد جون بودستا الإلكتروني: أعضاء وسائل الإعلام ذاتية الأهمية، خريجو الجامعات البارزة، ومليارديرات وادي السيليكون، والطبقة الثرية المتنفذة في وول ستريت، و متعجرفو الممر الساحلي. وهم يتحدثون كما اليساريين، ولكنهم يعيشون وفق طريقة حياة ملكية. ويستقطبون الأقليات للتصويت علناً، ثم يسخرون منها في أحاديثهم الخاصة.
وتضم الشريحة الواسعة الدنيا للحزب موظفي الحكومة، والفقراء والأقليات، والملايين الذين يعتمدون على المساعدات الفدرالية ومساعدات الولايات. وتم تجاهل الديمقراطيين الواقعين بين الشريحتين، ولذا واصلوا الهروب من الحزب. أنظر إلى الخريطة الحمراء/الزرقاء في الانتخابات. لقد تراجعت قوة الديمقراطيين إلى المدن الداخلية والضواحي الساحلية الغنية.
الديمقراطيون تعلموا درساً مريراً هذا العام: وهو أن حزب أوباما اليساري، وأجندات الايديولوجيات الغنية الفقيرة لا يخاطب معظم البلاد. وعلى الرغم من الأجندة التقدمية الصعبة، إلا أن أوباما كان قادراً على الفوز بفترتين من خلال الاعتماد على التضامن العرقي والإثني، وكسب أعداداً قياسية من أصوات السود وذوي الأصول اللاتينية.
الأمر الأسوأ بالنسبة للديمقراطيين أنهم من خلال مخاطبة التضامن القبلي قادوا إلى تجمع الطبقات العاملة البيضاء. وعندما يتم توصيف التشابه الجسدي كأفضل حجة للتصويت لصالح شخص، فإنه يطلق الضوء الأخضر للجميع لفعل الأمر ذاته بما في ذلك أعداد هائلة من البيض الأقل تأثيراً الذين صوتوا لترامب.
واستفاد ترامب من هذه المداخل من خلال إعادة صياغة الرسائل الجمهورية القديمة لتشمل ما يسمى بالتجارة العادلة (وليست الحرة)، ومن خلال ترك الأمن الاجتماعي وشأنه والوعد بإيجاد المزيد من الوظائف، انتزع ترامب ملايين الناخبين من الطبقة الوسطى والدنيا من الحزب الديمقراطي.
وخاطبت شعبوية ترامب عدداً مذهلاً من السود وذوي الأصول اللاتينية. وعلى الرغم من أن ترامب كان أغنى من بعض الجمهوريين من أصحاب المليارات المرشحين خلال السنوات الأخيرة الماضية، فقد قدم نفسه باعتباره رجلاً شعبياً، وتناول الوجبات السريعة وتحدث بلهجة حي كوينز.
وبالنسبة إلى كثير من غير البيض، تركزت رسالة ترامب على الطبقة أكثر منها على العرق. وشارك سكان داخل المدينة في عدد من المخاوف ذاتها مع البيض الفقراء في وادي أوهايو وجنوب ميتشغان. ولدى بعض السود الكثير من الأمور المشتركة مع سود ولاتينيين منهم مع ميت رومني أو جيب بوش.
وبتعبير آخر، فاز ترامب بأعجوبة في المجمع الانتخابي، على الرغم من وسائل الإعلام المعادية والمؤسسات الديمقراطية والجمهورية المناوئة. وخاض الحملة بالقليل نسبياً من الإنفاق الانتخابي، وبالفعل لم تكن هناك ألاعيب على أرض الواقع، وفاز لأنه أعاد كتابة القواعد التقليدية للسياسة الرئاسية.
ووصف رؤساء الحزب الديمقراطي ترامب بالمتعصب. وقال الجمهوريون عنه «لا لترامب». وتخوف بعض الديمقراطيين النخبويين عن حق من أنه قد يحدث ثورة في الحياة السياسية من خلال سرقة ناخبي الأقليات والطبقة العاملة من الديمقراطيين على أساس مخاوف طبقية مشتركة تتجاوز العرق. وأبدى بعض الجمهوريين النخبويين قلقاً من أنه قد يفوز بمتحولين جدد، ممن لا يكترثون بما إذا اعتبرته صحيفة «وول ستريت جورنال» خارجاً وبالتالي سوقياً غالباً..
ما هي أكثر المفارقات غرابة؟ جمهوريو المؤسسة الذين كرهوا ترامب بدوا كثيراً مثل ديمقراطيي المؤسسة. وبالمجمل، فإن ترامب الذي يعتبر من أصحاب المليارات يعتقد أنه يمكنه أن يشكل نوعاً جديداً من الأغلبية «الجمهورية»، الأمر الذي أثار ضيق الجمهوريين والديمقراطيين النخبويين على حد سواء. وهو يمكن أن يكون على حق.