تخبرنا ماريسا ماير، الكثير عن أن الأميركيين غاضبون جداً، ولماذا أصبح الغضب الموجه ضد الحكومة أكبر قوة مفردة في السياسة الأميركية اليوم.
وتشغل ماير منصب مدير عام شركة «ياهو». وخسرت أسهم «ياهو» ثلث قيمتها العام الماضي، بينما انخفضت خسائر الشركة من 6.5 مليارات دولار عام 2014، إلى 4.4 مليارات دولار عام 2015. ومع ذلك، حققت ماير مبلغ 36 مليون دولار، معوضة خسائرها.
حتى لو تخلى عنها طاقم شركة «ياهو»، فإن العقد ينص على أن تحصل على 54.9 مليون دولار أميركي كمكافأة. وتم الكشف عن حزمة من اللوائح التنظيمية التي تنطوي على مجموعة من الأوراق المالية والبورصات. وبكلمات أخرى، ماير لا يمكن أن تخسر.
وهذا مثال آخر على نمط عدم خسارة الأغنياء، الذين يكسبون كثيراً، بغض النظر عن عملهم.
ولكن لماذا لا يزال مساهمو «ياهو» يتعاملون معها؟، ذلك في الغالب لأنهم لا يعرفون عن الأمر. فمعظم أسهمهم تحتجزها صناديق التقاعد الكبيرة، وصناديق الاستثمار والتمويل، الذين لا يريد مديروها جعل الأمر أسوأ، لأنهم يحصلون على أفضل الأمور، بغض النظر عما يحدث لياهو.
وبكلمات أخرى، مزيداً من نمط عدم الفقد بالنسبة للأغنياء. لا أريد أن أضع اللوم على ماير أو مديري التمويل الذين يستثمرون في ياهو. هؤلاء نموذج لنظام لا يخسر، تعمل بموجبه أميركا اليوم، وتتعامل معه النخب من أصحاب المال.
لكن تعمل بقية أميركا بموجب نظام مختلف. هناك الجشعون من فرط الرأسمالية، الذين تتقلص بسببهم رواتب هؤلاء، ولا يزال متوسط دخل الأسرة في انخفاض، والعاملون يطردون من دون تحذير، ويعيش ثلثا الأشخاص من الراتب إلى الراتب، ويصنف الموظفون باعتبارهم «متعاقدين مستقلين» من دون أي حماية عمالية على الإطلاق.
لماذا لا يوجد نمط لخسارة الأغنياء وسفاحي الرأسمالية المفرطين؟ لأن قواعد اللعبة، بما فيها قوانين العمل والتقاعد وقوانين الشركات والضرائب، صنعت كي تناسب هؤلاء الموجودين في القمة، ومن قبل المحامين وجماعات الضغط الذين يعملون لأجلهم. هل يعني ذلك أن علينا انتظار شخص مثل بيرني ساندرز؟، «ثورة سياسية» (أو إماتة فكر شعبوية دونالد ترامب الاستبدادية)، قبل أن يتغير أي شيء من هذا؟.
قبل أن نتوجه إلى المتاريس، يجب عليك التعرف إلى المدير العام الآخر، حمدي أولوكيا، الذي يطور نموذجاً ثالثاً مختلفاً عن نمط فقد الأغنياء للاشتراكية، ولا فرط الرأسمالية للجميع.
حمدي أولوكيا هو مؤسس تركي ومدير شركة «تشوباني» للبن اليوناني، التي تتجاوز قيمتها الخمسة مليارات دولار أميركي.
وأعلن، أولوكيا، أخيراً، أنه سيمنح كل موظفيه العاملين بدوام كامل، البالغ عددهم نحو ألفي شخص، أسهماً تصل قيمتها إلى ٪10 من قيمة شركات القطاع الخاص عندما تباع أو تعرض للمزاد، بالاستناد إلى حيازة كل موظف ودوره في الشركة.
وإذا قـُيمت الشركة وبلغت تكلفتها النهائية ثلاثة مليارات دولار، على سبيل المثال، فإن متوسط تعويضات كل موظف قد تصل إلى 150 ألف دولار. وبعض الموظفين يعملون في وظائفهم منذ مدة طويلة، ويمكنهم الحصول على أكثر من مليون دولار أميركي.
وأثار إعلان أولوكيا دهشة أغلب الشركات الأميركية. وتنظر الكثير من هذه الشركات إلى المسألة باعتبارها صدقة. (مجلة فوربس تقول إن الأمر أحد أعمال الشركة الأكثر أنانية خلال هذا العام).
وفي الحقيقية، يعتبر قرار أولوكيا جيداً، الموظفون الشركاء أصبحوا أكثر تكريساً لزيادة قيمة الشركة.
أولوكيا زاد للتو من احتمالات تقييم شركة «تشوباني» بأكثر من خمسة مليارات دولار أميركي عندما تباع أو تعرض أسهمها للجمهور، وهذا سيجعله وموظفيه أكثر غنى.
وتشق مجموعة من الشركات الأخرى طريقها باتجاه مماثل. وقررت شركة «أبل» في أكتوبر الماضي، أنها لن تسلم الأسهم إلى المديرين أو المهندسين فقط، بل إلى العاملين بنظام الساعات.
مدير تويتر «جاك دورسي»، يمنح ثلث أسهم تويتر (نحو واحد في المئة من الشركة)، إلى «موظفينا بالتساوي، كي يستثمروا في الناس مجدداً». خطط ملكية أسهم الموظفين التي كانت موجودة منذ سنوات كثيرة، تبدو أنها تراهن على الرجوع.
إلا أن الأغلبية الكبرى من الشركات الأميركية لا تزال محتجزة في نموذج قديم شديد الرأسمالية، ويعتبر العمال تكاليف يمكن إنقاصها، بدلاً عن كونهم شركاء يجب إشراكهم في النجاح.
وهذا بدرجة كبيرة، لأن «وول ستريت» لا تزال تنظر بطريقة سلبية إلى مثل هذا التعاون. (تذكر، تشوباني لا تزال تعتبر من القطاع الخاص).
دعوهم يقارنوا «ياهو» مع «تشوباني» خلال سنوات قليلة، ومعرفة أي نموذج هو الأفضل. إذا كنا نتراهن، فأنا أراهن على اللبن اليوناني.
وسأراهن على نموذج الرأسمالية الذي لا تفقد الأغنياء اشتراكيتهم، ولا تعتبر رأسمالية مفرطة للبقية، وإنما تشارك الجميع لمكاسب الرأسمالية.