تهانينا لكل من الطبقتين الوسطى والعاملة في أميركا، فبقية أرجاء البلاد والعالم مدينون لكما.

لقد كبحتما الفرامل في السباق الرئاسي نحو الدمار الثقافي والاقتصادي للقوى العظمى في العالم من خلال انتخاب الجمهوري المناهض للمؤسسة، دونالد ترامب، متفوقاً على الديمقراطية هيلاري كلينتون، وليس ذلك فقط، بل قد تكون تلك الطبقتان قد شرعتا في إيجاد حركة يمكنها أن تكون مثيرة للعدوى، وملهمة للمواطنين من الدول الأخرى ممن يسعون لتحرير أنفسهم من قادة المؤسسة الفاسدين.

فبعد وقوعهم، لفترة طويلة في شراك التدهور الاقتصادي والثقافي، وضع الناخبون الأميركيون يدهم على فرصة للهروب. فلقد حققوا مجتمعين ما لم تتمكن أي حركة أخرى من تحقيقه خلال عقود من الزمن، وهو استعادة الديمقراطية في نظام أصبح رهينة للمصالح الخاصة والمحسوبية.

لقد تم ترك نخب المؤسسة، الممثلين بـ«متسلقي» السياسة والإعلام والشركات الكبرى، وهم يحاولون معالجة تغير اتجاه صفائح القشرة الأرضية تحتهم. إذ كيف سيتكيفون ويعملون في عالم جديد يدين فيه ترامب، بمنصبه، للطبقتين المتوسطة والعاملة؟.

ستطغى الحيرة على معظم أرجاء العالم في مرحلة ما بعد الانتخابات، بينما كل ما سيتمكن العالم من رؤيته من المشهد السياسي الأميركي سيأتي من فلتر ضيق للغاية. فعادة ما تنبثق وجهة النظر الأميركية في الإعلام الليبرالي على يد الصحافة الأجنبية، ولطالما وجه كلاهما رسالة مفادها أنه لا بد من اختيار هيلاري كلينتون.

يمكن عزو انتصار ترامب لأحد العوامل الرئيسية، وهو أن هنالك طبقة وسطى صامته وطبقة عاملة ذات غالبية، كان لديها المال الكافي لإدراك فرصة، تأتي مرة واحدة في العمر، ليتم تمثيلهم بشكل حقيقي، وقد اغتنموها بكل قوتهم.

إن فرص ظهور مرشح مثل ترامب مجدداً في هذا الجيل كان من الممكن أن تكون ضئيلة. لأننا نتحدث عن رجل عصامي، من أصحاب المليارات، يلح على أن يظل مستقلاً، بابتعاده، إلى حد كبير، عن رجال المال والسياسة. إذ لا يدين الرئيس المنتخب ترامب بأي شيء لهم. فهم لم يعمدوا لتمويله، بشكل كبير، كما أنهم لم ينتخبوه.

ولكن بمساعدة أميركا العاملة، نجح ترامب فيما فشلت حركة «احتلوا وول ستريت»، التي تم الترويج لها كحركة شعبية، ولكن أيضاً كحركة فوضوية تسحق النظام.ويرجع انتصار ترامب، أيضاً، لأعضاء حركة احتلوا وول ستريت، فقد أرادوا إنهاء المحسوبية والتدخلات العسكرية التي وصلت إلى تكاليف باهظة للغاية مع الحصول على القليل في المقابل. لقد فاز ترامب على الرغم من المعارضة الكبيرة. ففي شهر سبتمبر الماضي، أعلنت شبكة «بلومبيرغ» أن الملياردير الرأسمالي جورج سوروس، الذي كان لديه نزعة شديدة لاستخدام ثروته للتدخل في السياسة الداخلية للدول حول العالم، قد قدم نحو 11.9 مليون دولار لحملة كلينتون.

كما أشارت قائمة المانحين الأميركيين الموجودة في بلومبيرغ، تحت مؤشر أصحاب المليارات، إلى أنهم قد قدموا لكلينتون نحو 21.1 مليون دولار (مقارنة بحوالي 1.02 مليون دولار فقط لترامب، الذي مول نفسه ذاتياً في معظم الأحيان).

وحالياً، لقد لقي رجل الأعمال جورج سوروس أسىً شديداً، وينطبق الأمر ذاته على الدول التي تبرعت لمؤسسة كلينتون الخيرية، وهو ما تم فهمه ضمنياً لخدمة مصالحهم.

من شأن السلوك المثير للحرب تجاه رموز روسيا أن ينتهي في ظل حكم ترامب، الذي ينظر لتلك الدولة كقوة عالمية وشريك محتمل يستحق الاحترام، حتى في عصر التنافسية الاقتصادية الشديدة.

روسيا اليوم أكثر شبهاً بأميركا التقليدية من حيث القيم والثقافة مقارنة بحلفاء الإدارات السابقة الذين حاولوا إجبار أميركا على الخضوع. ولطالما استخدم السياسيون الأميركيون في كلا الحزبين الرئيسيين في البلاد لطالما استخدموا روسيا ككبش فداء لتحويل الأنظار عن فشلهم. ومع ذلك بدأت التحديات للتو، إذ سيكون هناك الكثير من سلطات المؤسسة المقاومة للتغيير، التي ستقاتل ترامب في كل خطوة في طريقه.

غالبية الجمهوريين في مجلسي النواب والشيوخ لن يعمدوا لتسهيل الأمور على إدارة ترامب. فالمؤسسة راسخة، وتخدم ذاتها، ومن المرجح أن يكون هناك تمسك بالوضع الراهن بكل قوته.

لقد تمت دعوة منتقدي ترامب، بعد الانتخابات، لإيجاد تسوية. ويتمثل كل ما هم على علم به بنوع من الحلول الوسط الرديف للضعف. سيكون أمام أولئك النقاد خلال الأربع سنوات المقبلة الفرصة لمعرفة المعنى الكامل لكلمة «تسوية»، يظهره رجل أعمال ومفاوض من الطراز العالمي.