نتخذ في حياتنا اليومية العديد من القرارات سواء على مستوى ممارسة الحياة اليومية من مأكل ومشرب وملبس، وأيضاً على مستوى القرارات المصيرية التي تحدد أقدارنا أو نجاحاتنا أو هفواتنا، وجميع هذه القرارات منبعها إما تأثير عقلي أو حسي (عقل، قلب).

صحيح أن العقل والقلب ضدان متكاملان، إلا أن بينهما صراعاً أزلياً، وقد يختلف الأشخاص في طباعهم وشخصياتهم في آلية التوازن بين المحركين الأساسيين لإنسان؛ فتجد من يعتمد في قراراته على التفكير المنطقي أو إلى العاطفة الجياشة.

عُرفت الشعوب العربية بأنها عاطفية ورومانسية؛ فقد كتبوا الأشعار الموزونة والمعلقات قبل 1600 سنة تقريباً، واشتهروا قديماً بقصص الحب العذري، وقصائد الحب الجياشة، كل هذه القصائد الرومانسية التي من خلالها عوّض العربي خشونة الحياة في جزيرة العرب الجدباء، إضافة إلى العواطف الجياشة التي ارتبطت بالعقيدة نتيجة مآسي تاريخ المسلمين، كل هذه المعطيات طبعتهم بطابع الحزن والرومانسية إلى يومنا هذا، وهذا مثبت في العديد من التقارير الحديثة والتي تبين أن العرب هم أكثر شعوب الأرض عاطفة، ورغم ذلك هم أكثرهم عنفاً أيضاً.

يذكر الكاتب الأميركي نعوم تشومسكي في كتابه «عشر استراتيجيات للتحكم بالشعوب» وإحداها «استثارة العاطفة بدل الفكر»، حيث تستعمل هذه التقنية لتعطيل التحليل المنطقي للعقل، وبالتالي الحس النقدي للأشخاص الذي يمكنهم من معرفة نتاج تصرفاتهم، كما أنّ استعمال المفردات العاطفية يسمح بالمرور والوصول إلى العقل الباطن دون أي معيقات تحليلية، وزرعه بأفكار، رغبات، مخاوف، نزعات، أو سلوكيات.

من السهل جداً أن تستثير العاطفة وتجعلها المحرك الأساسي لتصرفات أي شخص، ونحن العرب والمسلمين أكثر تأثراً بهذه الطريقة الكلاسيكية من غيرنا؛ فعندما نحلل الأفعال الإرهابية سنستدل بأنها مبنية على عاطفة، ومحركها الأساسي هم شخوص أو فئات استثاروا هذا المكنون العاطفي ليتصرف المنفذ الإرهابي دون أدنى إدراك بعواقب ونتائج فعلته.

ولو راجعنا مثلاً فيديو اغتيال السفير الروسي في تركيا أخيراً وحللنا حجم الانفعال العاطفي لمنفذ الجريمة الإرهابية فسنجد أنها كفيلة بأن تبيد عقله وتجعله ينفذ فعلته أمام العالم دون إدراك لعواقب فعلته سياسياً وأمنياً، وحتى دون إدراك ردة فعل الغير وكيفية الرد، والدليل أنهم قتلوه ولم يقبضوا عليه لمعرفة دوافعه الحقيقية أو المحرضين إن كانوا موجودين.

دافع منفذ الاغتيال انتقاماً لأطفال حلب، وكأنه صاحب رسالة عظيمة ضحى بنفسه من أجل إيصالها، ولم يتفكر بأن من الممكن أن تكون ردة الفعل قاسية على من دافع عنهم، ومن خلال ردود الأفعال نجد أننا حتى في عواطفنا منقسمون إلى عدة أقسام.

فمنا من قال إن حادثة الاغتيال تصرف أرعن ستدفع ثمنها دول، وآخرون وصفوا المنفذ بـ«بطل الشتاء»، وغيرهم من قال إنه نفذ مؤامرة صهيونية بدليل عدم وجود دماء على الأرض! وهنا نتساءل: هل عاطفتنا العربية والإسلامية موروث قديم، أم هي انفعالات عرضية غير منضبطة؟

وإليكم الإجابة؛ عاطفتنا العربية موروث قديم استغلها العديد من الأشخاص والفئات عبر التاريخ لتحويل الشخصية المسلمة لشخصية غير متزنة عاطفية لخلق تصرفات غير منضبطة لا أخلاقياً ولا إنسانياً، ولا حتى دينياً.

على الرغم من أن هناك الكثير ممن يرفضون تصرفات الدواعش، وأساليبهم التي ينفذون بها الإعدامات وأيضاً رفض العمليات الإرهابية بشكل مطلق، إلا أن العديد من هؤلاء سيفرحون يوم أن ينفذ داعشي عملية إرهابية في أميركا أو أي دولة أوروبية، ومن أراد أن يخفي فرحته يزعم أن منفذ الجريمة مجند صهيوني لكي لا يُحسب هذا الانتصار لملته أو طائفته؛ فكما فرح وتغنى البعض بتفجيرات 11 سبتمبر.

سنجد من يتغنى بأي يوم وأي تاريخ تنفذ به العملية، بل تسارع المجتهدون من رجالنا إلى حساب رقمي بأن مدلول 11 سبتمبر قد ورد في القرآن الكريم بالجزء رقم 11 والسورة رقم 9 والآية رقم 109، وكلها كمدلول لتاريخ وقوع الحادثة، وما إن بدأت الحرب في أفغانستان وجاءت بالدمار على المسلمين تنصلوا من اجتهادهم.

فردود أفعالنا لا تقاس بنتاج العمل أو لكون العملية إنجازاً خطيراً يعود على الأمة الإسلامية بخير، إنما لعاطفتنا المغتصبة والتي يغتصبها من يشاء ويحولها لبركان ثائر.

«أبو لهب» عم الرسول صلى الله عليه وسلم، كلنا يعلم موقفه من الإسلام، ومحاولاته وبكافة السبل للتصدي لانتشار هذا الدين الجديد حينها وإيذاءه لسيد الخلق، لكن وبسبب عاطفته القوية لما وجد عليه آباءه جعلته لا يدرك كيفية القضاء على هذا الدين بتصرف واحد فقط، فقد كان بإمكانه أن يعتنق الإسلام ويقبل بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبياً، ليكذب ما جاء به كلام الله تعالى (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ).

فكيف سيصلى ناراً ذات لهب وقد آمن وأسلم واعتنق الإسلام، وهذه حال المتأسلمين الذي ينفذون عمليات إرهابية أو من يدافعون عن الإسلام بطرق عنيفة أو بخطاب يشوبه الازدراء للآخرين؛ فهؤلاء أخذتهم عاطفتهم للتصرف بمثل هذه التصرفات، وبدل أن ينصروا الإسلام جعلوا منه صورة شائبة ومشوهة.

أظن أننا اليوم لا نختلف عن الجاهلية وحماقاتها بكثير، وصحيح أننا مطالبون بالدفاع عن صورة الإسلام، لكن أن ندافع عن الصورة الصحيحة والتي شرعها الله وأراد بها الخير للإنسانية بكافة أجناسها، فقد أنزل الله تعالى هذا الدين للكافة وليس حصراً بقوم معين، وبدل أن ندعو الآخرين إليه نجعلهم يرفضونه بسبب عاطفة تضر ولا تنفع.