تمرّ العملية التعليمية في وطننا العربي في مأزق، ورغم أن مراجعة الخارطة التعليمية وإحصاءاتها ستقودنا في بعض البلدان إلى التفاؤل حين نقوم برصد عدد جامعاتنا وعدد الخريجين من هذه الجامعات. ولكن يظل التساؤل قائماً، أي نوع من المخرجات تلك؟.

هل سمعتم عن مزارع المعكرونة، ذلك ليس مداعبة، ولكنه كان ضمن برنامج تحاول فيه المذيعة اختبار ثقافة عينة عشوائية للشباب في إحدى القنوات العربية، التي فيها يُسئَلون أسئلة غير منطقية ومستحيلة، ومع ذلك، نجد أن الشباب يجيبون عنها وكأنها حقيقة، أسئلة مثل، هل سمعت أن جزيرة اليابان ستنتقل لتصبح جارة لمصر، أو هل سمعت أن الدولة إياها ستقوم بزراعة المعكرونة؟.

هل يعود ذلك إلى الفرد نفسه، أم أنه يرجع إلى النظام التعليمي الذي احتضنه؟، أو البيت الذي نشأ فيه أو لوسائل الإعلام؟.

أعتقد أن العملية مركبة، ولكنها تبدأ من المدرسة التي عودت أطفالنا على حفظ، وبدون مراعاة لتطوير الملكة النقدية لديهم.

وللأسف، فإن الثقافة العامة للطلبة، ثقافة تكاد تكون معدومة، فهم لا يقرؤون كتباً خارج المقررات المدرسية، ولا يفرقون بين كاتب عربي مشهور أو ممثل أو مغنٍ، وثقافتهم التاريخية التي تخص وطنهم العربي، تنم عن جهل فاضح بتاريخ بلدانهم، ولا يعرفون شيئاً عن جغرافية بلدانهم ولا جغرافية العالم.

باتت اهتماماتهم مرتبطة بما توفره وسائط الاتصال الحديثة من وسائل ترفيهية لهم من الألعاب الإلكترونية، وفيديوهات الأغاني والأفلام التي توفرها المواقع الإلكترونية، مثل اليوتيوب، بالإضافة إلى مواقع التواصل .

في مدارسنا الرسمية، لا يتعلم الطفل التفكير الناقد، وينمو وهو غير قادر للدخول إلى موسوعة، ولا يعرف كيف يبحث عن معلومة، ولا يستطيع أن يكتب مقالة.

ويتخرج الطالب من المدرسة، وهو مرتبط فقط بالكتاب المدرسي، ولهذا، أصبحت ثقافته محصورة بما تلقاه في المدرسة، ولم يكن الكتاب الخارجي ولا القراءة الخارجية مطلباً ولا وسيلة ترفيه، ذلك أن وسائل الترفيه باتت متاحة له بشكل قادر على اختطافه من متعة القراءة، ليغرق مع التلفزيون ومع الألعاب الإلكترونية والأغاني الفيديوية.

وهكذا، نجد أن نظام الترفيع التلقائي ساعده للوصول إلى الثانوية العامة بدون جهد يذكر. وحتى حينما يدخل امتحان الثانوية العامة، يجد نفسه ناجحاً دون أن يعرف كيف نجح، ذلك أن رفع معدلات النسبة العامة للنجاح تخدم آلاف الطلبة. أولئك الذين يدخلون إلى الجامعات بمعدلات منخفضة، وثقافتهم ومعلوماتهم سطحية ومنزوعة الدسم.

بيئة اليوم بقدر ما هي مُلهِية، فإنها أيضاً بيئة مُلهِمة، فالنماذج الناجحة على مستوى إنساني وعالمي ماثلة أمام الجميع، ففرص المعرفة، ومصادر المعلومات المتاحة على مواقع الإنترنت لا تحصى، ولم يعد ندرة الكتاب حائلاً دون حصوله.

فمئات الآلاف من الكتب والمقالات والدوريات والدراسات، متاحة لمن يرغب في المعرفة والاستزادة من العلم. ولذا، فإننا سنظل ننتظر طلبة ثقافتهم كاملة الدسم، ولكنها عملية ترتبط بالتنشئة الاجتماعية والتعليمية ووسائل الإعلام.

فالمدرسة والبيت هما ركيزتا بناء شخصية الطالب الفكرية والثقافية، وإذا كانت المدرسة والبيت ليس لديهما الرؤية السليمة في تنشئة جيل قارئ وناقد، في ظل تربية ديمقراطية، فإننا سنظل نستقبل أجيالاً ثقافتهم فقيرة، ولا يفرقون بين محمد عبد الوهاب المغني، أو محمد بن عبد الوهاب الشيخ.

وسنجد من الطلبة من لا يعرف كتابة رسالة من عشرة أسطر بلا أخطاء. وسننتظر طلبة ينتظرون حصيلة مزارع المعكرونة. اللهم الطُف بأبنائنا الطلبة.