ُتشعل تغريدات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، في كثير من الأحيان، الأجواء في الولايات المتحدة. وقد شاهد الأميركيون الأعراض التي تتمثل بـ: صياح الليبراليين المعذبين وعويلهم، وإشاراتهم إلى هتلر ونهاية العالم، أو أي من النبوءات السوداء التي يمكن أن يغردوا بها.
لكن هناك تغريدة لترامب مثيرة للاهتمام وجهها إلى شيكاغو أخيراً، مدينة الأداة المختلة للديمقراطية التي منحت الولادة السياسية للرئيس باراك أوباما والحاكم رام ايمانيول. الغريب أن هذه التغريدة لترامب لم تطلق موجة من «متلازمة تشويش ترامب» أو اتهامات بإشاعة أخبار كاذبة أو شد الشعر والصراخ.
غرّد ترامب أخيراً، في أعقاب برنامج «60 دقيقة» حول وباء الجريمة في المدينة: "معدل القتل في شيكاغو هو قياسي في عام 2016: سقوط 4331 ضحية نتيجة لإطلاق النار، 762 جريمة قتل. مضيفا:إذا كان الحاكم غير قادر على حل الموضوع ينبغي عليه طلب العون من الفيدراليين!".
لكن ترامب على خطأ في مجموعة من الأمور. فإجمالي 762 جريمة قتل ليس هو الرقم القياسي، بل أن أرقاماً أعلى كانت أمراً روتينياً في التسعينات، لكن مع أكثر من 4 آلاف شخص أصيبوا بالرصاص العام الماضي، هناك حجة تساق بأن المدينة التي كانت منهمكة في النشاط التجاري من قبل أصبحت أكثر عنفاً من أي وقت مضى.
ولا يبدو حديث ترامب بإدخال فيدراليين في جرائم الشارع وزيادة حجم الطغيان محافظاً أو جمهورياً عن بعد، بل شيء يقوله ديمقراطي من مؤيدي المدن والحكومات الكبرى.
تاريخياً، كان العديد من زعماء شيكاغو يفضلون أن يهتم مكتب التحقيقات الفيدرالي بقضايا السلاح بدلاً من الفساد الحكومي. ومع ذلك، كان هناك عدد قليل من الناس، إن كان هناك أحد، يرثي صائحاً بـ»متلازمة تشويش ترامب«، عندما أطلق هذا الأخير تغريدته حول جرائم القتل في شيكاغو.
لماذا؟ لأن المزيد من الناس سقطوا صرعى في شيكاغو العام الماضي أكثر من عدد الذين سقطوا في نيويورك ولوس إنجليس مجتمعين. ووفقاً إلى تقارير لـ"شيكاغو تريبون"، فقد تدنت توقيفات الشرطة في الشوارع بنسبة مذهلة تصل إلى 82% مقارنة بالعام الماضي. ومع إصابة أكثر من 4 آلاف شخص بطلقات نارية، فإنه من السهولة أن يكون هناك بينهم ألف قتيل، لولا التطور في العلوم الطبية.
لذلك، فيما يجري قتل الناس بشكل يومي، ويقوم المحتجون بإحياء ذكرى موتاهم، ويبني آخرون الأضرحة ويبكون، ويواجه الصحافيون مثلي ضمن جوقة المواعظ، يمضي المجرمون في إطلاق رصاصهم، هذا ما أشاهده: شيكاغو تنزف.
لقد انسحب رجال الشرطة في شيكاغو من الشوارع، هذا ما يخبرنا به التراجع المذهل بنسبة 82% في عمليات التوقيف، فيما المدارس الحكومية العامة في المدينة لا تعمل، وتتبخر وظائف الطبقة العاملة. لكن الدماء تسيل في الشوارع، وترتفع الضرائب، فيما جيل الألفية ومن هم في أوج نشاطهم يتحولون إلى لاجئين، يبحثون عن الأمان والفرص الاقتصادية في ولايات أخرى.
في الآونة الأخيرة، فإن كل ما مثلته شيكاغو كان دعامة مؤقتة لأوباما، الآن، أصبحت هذه المدينة مكاناً لملعب غولف كبير بالقرب من موقع المعبد المقترح لرئاسته عند»الجانب الجنوبي«لشيكاغو، حيث النسبة الأكبر من السود ومن أصول لاتينية يعيشون في أحياء الفقر.
يعلم إيمانويل، كبير موظفي البيت الأبيض السابق في عهد أوباما، ما ينبغي القيام به. وحاول الحاكم الضغط من أجل فرض عقوبات أشد على المجرمين المعتقلين الذين توجد بحوزتهم أسلحة.
الموقع الحكومي الرسمي»سيتس هال«في شيكاغو الخاص به، كان المكان حيث تم التقاط شريط الفيديو المروع للشرطي لاكان ماكدونالد، والذي يظهر إطلاق 16 رصاصة على مراهق أسود من قبل شرطي من البيض إلى أن فارق الحياة. وهذا الفيديو تم احتجازه إلى ما بعد إعادة انتخابه لولاية ثانية. الناخبون وخاصة السود كانوا غاضبين، ويسعى إيمانويل الآن لولاية ثانية بأمل أن تنسى شيكاغو محنتها.
ويصر الحاكم أن لا علاقة له باحتجاز الفيديو إلى ما بعد انتخابه، لكن شخصاً ما في»سيتي هال«قام بذلك، وهو من يدير سيتي هال.
الآن، ليس بإمكانه ممارسة ضغوط علنية على المشرعين السود من أجل أخذ زمام المبادرة في سن قوانين تضع أحكاماً أشد على الأسلحة. فقام بإرسال مراقب الشرطة أدي جونسون للتوسل اليهم من اجل الوقوف بوجه العصابات في أحيائهم، لكن أدي ليس الحاكم.
سألني مذيع محطة "كي أيه بي سي-إيه إم"، دوغ ماكنتايير، في لوس أنجليس، عن تغريدة ترامب وجرائم القتل في شيكاغو والسياسة: هل هناك مرض ما في مدينة شيكاغو؟ بالطبع هناك مرض، عدوى قديمة تتقرح على مدى عقود طويلة من حكم آلة الفساد السياسي.
فماذا يرى الأميركيون عند القرع بشأن أعداد قتلى شيكاغو، وعدم قدرة المسؤولين الحكوميين وقف أعمال القتل؟ إذا نظروا إلى الأمر عن كثب، فإنهم سوف يشاهدونه على النحو التالي: حصيلة سياستنا على مر الزمن.