في ظل تطور تكنولوجيا الاتصال، التي جعلت العالم ساحة واحدة مفتوحة لكل ألوان الرسائل من كل المصادر. فالتوجه نحو الاهتمام بصحافة المواطن، هو مطلب أساسي، ويجب أن ينظر إليه في علاقته بالصحافة الورقية ووسائل الإعلام التقليدية المحلية والدولية.
فاستقبالنا اليومي لرسائل بالعربية لبي بي سي وروسيا اليوم والحرة والفرنسية والألمانية والصينية والتركية والأميركية، يجعل رسائلها ليست دولية فحسب، بل هي رسائل محلية. والعديد منها يتلقى رسائل المواطنين وتبث مشاركاتهم.
لقد تحول المواطن العادي، في ظل وسائل التواصل الاجتماعي، إلى الصحافي المواطن، وكم هي المحطات الفضائية التي تطالب الإنسان العادي أن يرسل لها الفيديوهات التي تقوم بنشرها؟، وكم تنازلت هذه المحطات عما كان يعرف بالنوعية لما يمكن نشره؟.
إن ما تقدمه صحافة المواطن عبر وسائل التواصل الاجتماعية، تفرض تحديات كذلك لمفهوم النشاط السياسي اليومي للإنسان العادي، وتفرض كذلك تساؤلات عن مفاهيم المواطنة، في ظل هذا الانزياح الاختياري للمواطن عن متابعة إعلامه الوطني، وسبب ذلك يتمثل في عدم ثقته بوسائل إعلامه المحلية، وتقليص مساحة الرأي فيها، وخصوصاً في المجال السياسي.
لقد دأبت مصادر تصنيف القوى التي تحكم شعوب العالم، على تصنيف السلطات إلى السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية. وأُضيف إليها في ما بعد، سلطة رابعة، هي سلطة وسائل الإعلام، لما لها من تأثير مزدوج في السلطات الثلاث من ناحية، وتأثير في الجماهير وصناعة الرأي العام.
والآن، مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعية، بات الحديث عن صحافة المواطن عبر وسائل التواصل الاجتماعية، باعتبارها السلطة الخامسة، التي تتجاوز حدود الرسميات والمؤسسات والأنظمة. حيث أصبح الفرد يلعب دور الصحافي بدون خبرة وبدون تحمل مسؤوليات. وهي ذات قوة باتت ذات تأثير ثلاثي الفعالية في الجمهور وفي الحكومات والمؤسسات الإعلامية معاً.
لقد نهجت وسائل التواصل الاجتماعية منحنى يمكن أن يوصف بأنه سلطة يمارسها أشخاص عاديون بلا حساب، وهي سلطة يمكنها أن تكون بعيدة عن الحساب.
لماذا إذن هي سلطة خامسة؟
هي كذلك، لأنها تمارس قوة هائلة على جميع مناحي الحياة، فهي على المستوى السياسي، باتت تشكل قلقاً لبعض الأنظمة السياسية، وصارت بعض الحكومات تخشى ما يتردد في المواقع الإلكترونية غير الملتزمة، ما يجعلها تقوم بمتابعة المواقع وحظر بعضها، بالإضافة إلى تكميم الأصوات المعارضة.
على المستوى الاجتماعي، صارت سبيلاً لتشكيل العلاقات الاجتماعية، حيث صارت الجلسات العائلية وجلسات الأصدقاء، تهيمن عليها الأجهزة المحمولة، فكل شخص منهمك مع محموله، منشغلاً عما حوله من فضاء اجتماعي.
أما على المستوى الاقتصادي، باتت تهيمن على اقتصادات المنزل، ففاتورة الهواتف الجوالة بالإنترنت، أصبحت عبئاً على الأسر ذات الدخل المحدود والمتوسط، وصارت هذه الوسائط، وسيلة لإجراء الصفقات التجارية المشروعة وغير المشروعة، ولم يعد هناك سيطرة للحكومات على التجارة الإلكترونية وعوائدها وضرائبها.
على المستوى الأمني، أصبحت وسائط التواصل الاجتماعي، مرتعاً خصباً لقوى الشر والإرهاب والتشدد، ما ساهم في نشر الإرهاب في مختلف أرجاء المعمورة، كما ازداد التطرف الأيدلوجي، بعد أن أصبح تداول الأفكار المتشددة ونشرها أمراً ميسوراً عبر الوسائط الاجتماعية.
ويظل التساؤل قائماً، هل من سبيل إلى تجاوز تحديات قوة السلطة الخامسة؟. ولتجاوز هذه التحديات، نحن بحاجة إلى الإفادة من سلطة صحافة المواطن، بترشيد استخدامها، وليكون توظيفها بشكل إيجابي، يعزز دور وسائل الاتصال التقليدية. ما يؤدي إلى الثقة بخطاب الاتصال السياسي في بلداننا.