أحدثت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ثورة في مفهوم المكتبات، لتجعل منها مكتبات للجميع، بحيث تعمل على توفير البنى التحتية التكنولوجية، واقتناء الدوريات والمجموعات الرقمية، وصون وحفظ المعارف المسجلة لديها، وتوفير إمكانية الوصول للخط المباشر على الإنترنت، وتقديم الخدمات لدعم التعلم والبحث العلمي والجمهور العام.

حينما نتحدث عن المكتبة الرقمية، سوف يتبادر إلى ذهننا فوراً مقارنتها بالمكتبة التقليدية التي عرفتها البشرية منذ أقدم التاريخ، بدءاً بمكتبة الإسكندرية، ومروراً بدار الحكمة، وانتهاء بمكتبة الإسكندرية الحديثة. ما العلاقة بينهما، وهل في الإمكان التحول من المكتبة التقليدية إلى المكتبة الرقمية؟، وما المشكلات والنتائج التي نتوقعها نتيجة هذا التحول؟.

مع النمو والتحول في أسلوب إنتاج المعرفة وتوزيعها وتخزينها، تتغير اليوم المكتبات لتلبية احتياجات الأجيال الجديدة المتزايدة للمعلومات، الذين يرون أن لهم الحق في الحصول على المعلومات واستخدامها، ومما يستلزم تطوير المكتبات الحالية والدخول إلى عالم المعلومات الرقمية، بحيث يتم تجهيزها لتكون مكتبات رقمية للقيام بعمليات تسجيل المعلومات والبيانات وتخزينها ونشرها في شكل رقمي مترابط ومفتوح لجميع أولئك الذين يسعون للحصول على المعلومات. ما يعزز تحقيق التوجه الديمقراطي لتوزيع المعلومات وانتشارها واستعمالها.

تثير تكنولوجيا المعلومات أمرين، في ما يتعلق برقمنة المكتبات، أولهما تأثير الرقمنة في خدمات المكتبات، بدءاً من أتمتة أنظمة حفظ السجلات الداخلية إلى رقمنة المجموعات المادية التي يتم فهرستها وتنظيمها، في وسائل جديدة، التي تجعل هذه المعلومات متاحة بالوسائل الإلكترونية لجميع من يرغب في استخدامها، لتشمل مخازن البيانات، والمنافذ الإلكترونية لمواد المكتبة التقليدية، والأرشيفات - المحفوظات العلمية.

الأمر الثاني، أن المكتبة التقليدية ذات طبيعة محافظة، ومن ثم، كيف لها أن تستجيب للبيئة التكنولوجية سريعة التغيير والانتقال من التقليدي إلى الإلكتروني، حيث يصبح الوضع الجديد يحتاج إلى قرارات هامة مثل أي المواد والبيانات التي يجب أن تحتفظ بها ورقياً، وأيها تحولها رقمياً، وماذا تفعل بالعمالة الزائدة في حال الانتقال إلى المكتبة الرقمية؟.

هناك عديد العوامل المشتركة التي تدعو المكتبات للتحول إلى المكتبات الرقمية، منها البعد الاقتصادي المتمثل بالقوة الشرائية المحدودة للمكتبات، وخصوصاً مع ارتفاع أثمان الكتب والمراجع العلمية والزيادة الكبيرة في أثمان الاشتراك في الدوريات ذات التكلفة العالية، إضافة إلى انخفاض تكلفة التكنولوجيا، وعندما نرى سعة تخزين المستندات الرقمية والاحتفاظ بها، فإنه يمكن بسهولة إدراك أن تكلفة التكنولوجيات للمكتبات الرقمية، أقل بكثير من المكتبات التقليدية، ويرتبط بها مشكلة تكلفة التخزين، نتيجة تراكم الكتب والدوريات، سنة إثر سنة.

البعد البيئي، حيث يتم استخدام المكتبات الرقمية بتكنولوجيات أنظف للبيئة لتحقيق الشعار قرص مضغوط يحفظ عشرات الأشجار، والأمر الآخر الذي يحتاج لإعادة النظر، هو طبيعة العمل في بيئة العمل الإلكتروني، فالقوى البشرية تحتاج إلى مهارات جديدة مرتبطة بتكنولوجيا المعلومات، للتماشي مع مستلزمات المكتبة الإلكترونية، وسيكون هناك مسارات وظيفية جديدة، وفي المقابل، هناك وظائف سيتم الاستغناء عنها.

يُشكّل البعد الفني في الوصول إلى المعلومات، عاملاً مهماً، حيث لا توفر طرق البحث في المكتبات التقليدية، التنوع والمرونة والكمية من المعلومات، مثل ما يُوفّره البحث الإلكتروني من سهولة الوصول إلى البيانات من مصادر متعددة، وفي لحظات مع قدرة على متابعة أحدث المعلومات والإصدارات المتنوعة، وهو ما يتحقق رقمياً.

ونتيجة هذا التحول إلى مصادر المعلومات الرقمية، تزايد عزوف الأجيال الجديدة عن المكتبات التقليدية، ويتمثل ذلك في توجه الطلبة الغامر نحو الشبكة العنكبوتية، حيث يجدون في الإنترنت ضالتهم في البحث عن المعلومات الثرية والترفيه والتواصل الاجتماعي، ولذا، على المكتبات أن تسعى لإيجاد طرق جاذبة للطلاب، ليرجعوا إليها مرة أخرى، عن طريق تفعيل دورها الرقمي / الإلكتروني، والعمل على إشراك الطلبة في استخدام المواد الإلكترونية في المكتبة.

في العديد من البلدان العربية الإمكانات المادية والتكنولوجية المتاحة للمؤسسات والأفراد محدودة، ونسبة الأمية المرتفعة، وتزيد نسبة الشباب على 50 % من سُكّان المجتمعات العربية ممن يحتاجون المكتبات الرقمية، كل هذه الأمور تجعل من إنتاج المعرفة وتوزيعها وتخزينها رقمياً، تشكل تساؤلات أساسية ترتبط بضرورة التحول إلى المكتبات الرقمية.