ظهر الرئيس الصيني شي جينبينغ في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس، بمزيج من اللحظات المبشرة والمشؤومة معاً.

لحظة مبشرة لأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يفعل شيئاً عدا عن إعلانه بأن انسحاب أميركا من العالم، وهو قرار أتى على امتداد العقود الحالية، قد استفادت منه آسيا بشكل كبير، إذ تتعهد سياسة ترامب الموسومة بـ«أميركا أولاً» بإيجاد رسوم جمركية وتشييد جدران بالإضافة إلى الانسحاب من الاتفاقيات التجارية والمناخية، وربما إيجاد تحالفات عسكرية طويلة الأمد.

ومع غرق أوروبا في حالة من الفوضى الداخلية، فإن ذلك يجعل من الصين قوة رئيسية بالنسبة إلى آفاق الاقتصاد العالمي. وسواء أكنا جاهزين لذلك أم لا، فقد أصبحت الصين قائدة العالم بلا شك.

ويتمثل الجانب المشؤوم من ظهور الرئيس الصيني في أن السكرتير العام للحزب الشيوعي الصيني يوجه حديثه من على منبر، مستهدفاً نخبة العالم التي تتجمع سنوياً في دافوس.

وتعمل مسألة التحالف مع النخب التي تملك المشاريع العالمية، وبطريقة رفيعة المستوى، تعمل على وضع الصين، بشكل مباشر، في مكان سلبي بالنسبة إلى موجة الشعبوية التي تجتاح الديمقراطيات الغربية. وهو أمر يرسخ الصين في أذهان الناس كعدو رئيسي للطبقة العاملة والمتوسطة في الغرب.

قال كبير مستشاري ترامب ستيف بانون في مقابلة أجريت معه، أخيراً: «أنا قومي اقتصادي»، متبنياً رؤية العالم التي تحدد الإدارة الأميركية الجديدة.

وأضاف: «لقد دمر العولميون الطبقة الأميركية العاملة، وأوجدوا طبقة وسطى في آسيا، وتتمثل المسألة الآن في ألا يتم استغلال الأميركيين».

الجدير بالذكر أن اثنين من أكثر القادة المكافحين للشعبوية الغربية، وهما رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، اعتقدا أنه من الحكمة سياسياً عدم حضور مؤتمر دافوس هذا العام.

تعتبر الصين محقة في إصرارها على إيجاد اقتصاد مفتوح وعادل، بشكل متبادل، مع أخذ زمام المبادرة تجاه مسألة التغير المناخي. ولكن من الحكمة أن تركز الصين على اهتمامات الدوائر الشعبية. فالفوائد غير الواضحة للتكافل بحاجة للتوضيح.

كما يجب على الصين العمل مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإيجاد طرق لإعادة توزيع احتياطياتها الضخمة المحققة من الفائض التجاري من التجارة مع الولايات المتحدة وصولاً إلى الاستثمار الكبير المطلوب في البنية التحتية للولايات المتحدة، وهو الأمر الذي تعهد ترامب بتجديده.

أتذكر حضوري مؤتمر دافوس في عام 2000، عندما كان بيل كلينتون أول رئيس أميركي يتوجه للمؤتمر، وقد كتبت وقتها ما يأتي: «من الواضح أن العولمة ظاهرة تقودها أميركا، وهؤلاء الموجودون في دافوس كانوا في رهبة من الاقتصاد الأميركي في خضم أطول فترة لتوسعه في التاريخ، مع عمالة كاملة، ومعدلات تضخم منخفضة، والفضل في ذلك يرجع إلى التجارة الحرة والتقدم في مجال التقنية المعلوماتية.

عمالقة الصناعة من أوروبا وآسيا تجمعوا إبان تحدث بيل غيتس مؤسس ميكروسوفت، وسمنر ريدستون الرئيس والمدير التنفيذي لفياكوم، الذين قدموا رؤيتهم الخاصة بكيفية جني مليارات الدولارات في الاقتصاد الجديد. أطلقت وزيرة الخارجية، وقتها، مادلين أولبرايت على الولايات المتحدة بأنها «الدولة التي لا غنى عنها». وبعد نحو عقدين من الزمن، لم تحتل الصين مكانة أميركا وقتها، ولكن ما زالت الأخيرة تحتفظ بالكثير من مكامن القوة حينها.

تسلقت الصين لتصل لمكانة في أعلى السلم. ومع ذلك، لا يمكن لأي من الدول قيادة العالم وحدها. ويأتي التدبير الأمثل لتفعيل عمل العولمة في أن تنضم الصين لأميركا باعتبارهما «شريكين لا غنى عنهما»، استناداً إلى تقارب المصالح لإنشاء نظام عالمي يعمل لمصلحة الجميع. وبالمقابل، سيتمثل الأمر الأسوأ بالنسبة للعالم في أن تكون الصين وأميركا قائدتين لكيانات معادية.