هناك أغنية شعبية إنجليزية قديمة تقول كلماتها:
«إذا الصيف كان شتاء أو العكس، فإن العالم سينقلب رأساً على عقب».
لقد غنى البريطانيون قائلين: «العالم انقلب رأساً على عقب»، وذلك بعد هزيمتهم غير المتوقعة والكارثية في معركة يورك تاون.
الاضطرابات العالمية هذه ميزت كذلك رئاسة دونالد ترامب منذ البداية.
ويسير كل شيء بصورة غير مسبوقة منذ الانتخابات الأميركية التي أجريت في عام 1932، التي هزم فرانكلين روزفلت فيها هربرت هوفر. وقد أثار ذلك غضب التيار الديمقراطي. ودار النقاش مطولاً بشأن الجمهوريين وهذا ما يحدث الآن مع ترامب وحزبه الجمهوري.
ولا تزال استطلاعات الرأي والنقد السياسي والأفراد «الحكماء» يشعرون بعقدة الذنب بسبب التكهنات الفاقدة للمصداقية. ولا تزال تكهنات الرئيس ترامب الجديدة تحظى بالمصداقية ذاتها التي تحظى بها إجراءات ما يعرف بالجدار الأزرق.
تواطؤ وسائل الإعلام مع حملة كلينتون كان متركزاً في رسائل ويكيليكس الإلكترونية. التآمر يطيح أي فكرة يجعلها الصحافيون مغرضة ومبدئية، بينما هم يتحولون الآن من ثماني سنوات من التذلل إلى العداء المحموم تجاه البيت الأبيض. وفي قاموس الإعلام اليوم، لا يعتبر تعطيل مجلس الشيوخ تخريبياً وإنما حيوياً جداً.
الأوامر التنفيذية لم تعد ملهمة وإنما خطرة. وتجاوز الكونغرس للمعاهدات والتدخلات الخارجية أو رفض فرض القوانين الموجودة، لم يعد يعتبر قيادة رئاسية. وإذا احتذى ترامب بمثال أوباما بالنسبة للمراسيم الرئاسية فسيتم اعتباره محرضاً.
المظاهرات الموجهة ضد رئيس حالي لم تعد قريبة من الخيانة، وإنما غير أمينة. الإعلام المتابع للرئيس لا يعتبر محايداً بعد اليوم، وإنما غير مهني وغير شريف. الذم القاسي ضد الرئيس وعائلته لم يعد عنصرياً وإنماً ملهماً.
وقد تكون منظومة أوباما الانتخابية الناجحة بزيادة الدعم السياسي من خلال سياسات الهوية حدثاً غير نمطي، وليس موجة مستقبلية. انتصاره بالتأكيد غير قابل للنقل إلى المرشحين الليبراليين من غير الأقليات الأخرى.
إرث أوباما هو الدمار القريب للديمقراطيين باعتبارهم حزباً وطنياً، تاركاً إياهم في حرب أهلية مثيرة للاهتمام، بينما سيتم التخلص من معظم مبادراته، وربما نسيانها قريباً.
أين يتجه الديمقراطيون الآن؟ هل سيصبحون أكثر ميلاً إلى اليسار مع السيناتور بيرني ساندرز وإليزابيث وارن؟
في السابع من نوفمبر الماضي كان الخبراء يتوقعون شن حرب جمهورية على المستوى المحلي مثل: ضد المرشح الرئاسي ومجلس الشيوخ والمحكمة العليا الليبرالية للسنوات الثلاثين المقبلة.
وعقب الانتخابات انقلبت الموازين؛ الجمهوريون فازوا بأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب، وغالبية ساحقة في المجالس التشريعية للولايات والحكام، وعدد كبير من الشواغر في المحكمة العليا، وجميعها لم تكن في وضع أفضل حالاً من عشرينيات القرن العشرين.
وعلى مستوى الأهمية ذاتها، فإن السيناتور السابق هاري ريد الذي يعتبر سلاح الرئيس السابق باراك أوباما الفخري، عزز ترامب من خلال تعطيل مجلس الشيوخ، وإعطاء الضوء الأخضر للمراسيم الرئاسية والأوامر التنفيذية المكتوبة «بالقلم والهاتف».
وبالنسبة إلى اختيار طاقمه، تجاهل ترامب نبلاء مؤسسة واشنطن، وأصحاب الشهادات العليا والأكاديميين بشكل عام. ويشعر بأنه لا يدين بالولاء إلى النقاد الجمهوريين الذين احتقروه أو إلى الأسماء الكبيرة من المتبرعين لحملته الذين لا يختارون الاستثمار في ما يعتبرون أنه خسارة للمرشح الخاسر.
طابع ترامب ليس واشنطن، لكنه ولد من خارج هذا العالم المتوحش المتمثل في «عقارات مانهاتن». طريقة ترامب الصاخبة في ممارسة الأعمال التجارية وحشية وغير تقليدية تماماً. لا تبدأ بالهجمات. لقد تخلص من هذه المسألة وتبنى الجموح لزعزعة الخصوم. ويطلب في البداية ثلاثة أضعاف وما هو مقبول في النهاية لتسوية الصفقة.
خطاب التنصيب كان صعباً وقصيراً وغير منطقي، ويعكس رغبة ترامب بأن يقاتل أعوانه كل المعادين في واشنطن والعالم لاستعادة أولويات الطبقة الوسطى.
ويتطلع ترامب إلى تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 4 في المئة من معدل الناتج المحلي الإجمالي، وذلك من خلال رفع القيود والإصلاح الضريبي، وإنتاج الطاقة، والدعم الاقتصادي، والفوز بقسم كبير من أصوات الأقليات، وبالتالي البقاء بعيداً عن قاعدة الديمقراطيين. ويعتمد على الوظائف ذات المدخول الجيد، ويهتم برفع مدخول العائلة أكثر من أي شيء آخر.
وقبل أسابيع خلت، وجه المحللون تحذيرات شديدة بشأن خطاب ترامب بإنشاء منطقة عازلة في سوريا التي كانت هيلاري كلينتون قد اقترحتها سابقاً.
هل سيتمكن ترامب من إقناع الداعمين، وهل سيسترضي الروس بهذا الشأن؟ لا أحد يعرف تماماً.
يتحدث الرئيس الأميركي الآن إلى تايوان، ويضاعف الدعم لإسرائيل، ويقول إنه غير مضطر للبقاء موالياً لكل من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ويضغط على إحداث تغيرات في حلف «ناتو».