يمكنك سماع صراخ تيار اليسار السياسي بسبب اختيار الرئيس الأميركي دونالد ترامب لقاضي المحكمة العليا.
ولكن لا تسمح لنفسك أن تندهش من الكلمات الغاضبة التي تنطلق من الأفواه الحانقة. لا تقلق من المهرجين من أمثال هؤلاء الموجودين في هوليوود الذين يريدون معاقبة من لا يتوافق معهم. إذا ركزت على العروض المسرحية فسيغيب عنك ذلك الأمر.
إذا كنت تركز على التمثيل المسرحي، فقد تتبدد هذه الأمور: فبسبب كل هذا الإزعاج لا يمكن للأميركيين من اليسار السياسي إدراك حقيقة كرههم الرئيس ترامب. هم يحبوه. أو الأذكياء من اليسار السياسي على الأقل يحبونه.
الرئيس وفر لهم فرصة الوصول إلى شيء واحد فقط لم يكن لديهم خلال ثمان سنوات من حكم الرئيس باراك أوباما. وهو السلطة.
وفي كل يوم يستخدمون موجة هستيرية ما موجهة ضد ترامب. والكثير من هذه الموجات موجود في وسائل الإعلام، ويعربون عن الغضب الشديد، مثل ذلك الغضب الموجه ضد سياسة ترامب بشأن الهجرة.
النقاش الليبرالي هو أن الحظر المفروض على هجرة مواطني سبع دول ذات غالبية مسلمة، ليس خطأ فقط وإنما عنصري. لقد أخبرنا أن الذين لا يعارضون العنصرية هم عنصريون بحد ذاتهم.
إلا أن معظم الأميركيين لا يوافقون هذا الرأي. لقد اختاروا مراقبة الحدود وزيادة إجراءات فحص المهاجرين، وأوضحوا ذلك كثيراً في الانتخابات الأخيرة. وكان العديد من الناخبين الديمقراطيين منذ فترة طويلة من ضمنهم.
ما يسمح به هؤلاء الغاضبون هو ايجاد فرصة لليسار كي يخرج للوسط الديمقراطي من الطريق العام، بحيث يمكنهم أن يسيطروا على أجهزة الحزب الديمقراطي.
هذا هو مغزى هذه اللعبة المتوحشة العارمة: السيطرة على الحزب الديمقراطي، أو ما تبقى منه.
وربما هذا هو سبب عويل زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر في اليوم التالي. وليس على الأمر التنفيذي لترامب؛ شومر مثل فتى يرقص على امتداد النهر، محاولا أن لا يقع فيه. ويجب أن يواصل التحرك قدماً إلى اليسار لاستيعاب ذلك التوجه اليساري. وتجري محاولات في الوقت ذاته لمساعدة عشرة نواب ديمقراطيين يسعون لإعادة انتخاب شومر في الولايات التي فاز بها ترامب.
إذاً، اليسار السياسي يهدد الديمقراطيين. وفي هذه الأثناء يلعب ترامب لعبته الخاصة. وجاء إلى واشنطن بمساعدة الناخبين الغاضبين والساخطين، الآتين من الطبقة الأميركية الوسطى، لفرض قومية اقتصادية وتفكيك المؤسسة القديمة الفاسدة.
المؤسسة الجمهورية هي الحكومة القديمة الكبيرة، التي قادها حزب الحرب بقيادة السيناتور جون مكين وليندسي غراهام.
ووعد ترامب بتفكيكها، وهذا هو ما يفعله. وهذا هو السبب الرئيسي لكراهية ماكين ورجال حزب الحرب بشدة. ولقد انضموا إلى إعلام المؤسسة كحلفاء ضد ترامب.
وعين ترامب كبير مساعديه ستيف بانون، في منصب رئيس مجلس الأمن القومي. ويرى النقاد أن بانون مثل راسبوتين. ويرى فيه داعموه بأنه شخص سيهاجم المؤسسة. وسيعطل مهامهم طالما أن ترامب يسمح بذلك.
بانون قاضى الصحافيين باعتبارهم «الحزب المعارض». فعل ذلك بغضب عارم كما توقعوا منه. النغمة المسموعة عن ترامب هي في الغالب خليط من العداء والبغض الذي يزحف صعوداً مع كل خبر تقريباً، فضلاً عن أن هناك الكثير من التعليقات.
ترامب لا يهتم كثيراً. لديه ابهامه وبرنامج تويتر وجهاز هاتفه. المشكلة أن الجمهوري هنا عبارة عن: ترامب في مواجهة «الإعلام»، وسيناريو القتال كالتالي: المؤسسة الأميركية تنهار تحت وطأة وزنها، وتتعرض للهجوم اليوم من خلال اليسار القوي، ومن خلال اليمين الوطني. هناك شيء واحد ضروري فقط: مصداقية الإعلام. إلا أن هذه المصداقية أمر يفتقر له الصحافيون، أليس كذلك؟
لعقود طويلة ظل الإعلام على علاقة مع اليسار السياسي. وهذا ليس محل جدل. وفي الانتخابات الأخيرة، كما ظهر من ويكيليكس عن حملة هيلاري كلينتون، ظهرت دلائل على تواطؤ عميق بين مؤسسة بيلتوي للإعلام وبين المؤسسة الديمقراطية.
ولم يُحل ذلك دون الفشل الذريع للوسيط الديمقراطي والمساهم في قناة «سي إن إن» دونا برازيل.
وهناك الكثير من القضايا مثل تلك الخاصة بالصحافيين، كالتي كانت في حملة كلينتون. ومن بين كل هذه القضايا ومنها قضية ويكيليكس، فإن هناك احساساً عاماً بين الإعلام وكلينتون ضد ترامب. والآن عندما يكون المطلوب هو اهتمام شرعي للإعلام بالرئيس، وعندما يعتبر هذا أمراً ضرورياً، فإن من الممكن استبعاد القصص من الهجمات الحزبية المجردة. هذا وقت التغير الكبير جداً والمتسارع على المستوى الاجتماعي والثقافي والسياسي. وهذه بداية فقط.