كان انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب برهاناً للعالم على أن أميركا ترتجل مواقفها، وبدلاً من تحسين الحكم باطراد على مر الزمن، فإن البلاد واقعة في دوامة بائسة من الأحزاب والسياسات المتخبطة.
وقد قمت بأبحاث في كتابي الجديد «التكنوقراطية في أميركا»، عن كل الحكومات التي احتلت مرتبة أعلى من الولايات المتحدة في المقاييس الاجتماعية، مثل متوسط العمر المتوقع ومتوسط الدخل، بالإضافة إلى المؤشرات السياسية كانخفاض الفساد، ارتفاع الثقة في الحكومة وفعالية الحكم. وبما أنه ليست هناك دولة لديها النظام السياسي المثالي، فقد دمجت أفضل الممارسات في كيفية تنظيم السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية في نموذج أطلقت عليه «تكنوقراطية مباشرة».
الإصلاح رقم 1: إنشاء مجلس تنفيذي كالمجلس الموجود في سويسرا والصين.
وتشير كلمة «المباشرة» في «التكنوقراطية المباشرة» إلى أسلوب سويسرا في الديمقراطية المباشرة حيث للناس صوت مباشر في السياسة العامة عبر نظام من المبادرات والاستفتاءات.
في أميركا، تنطبق الديمقراطية المباشرة أولاً وقبل كل شيء على اختيار الرئيس. وبدلاً من نظام الهيئة الانتخابية العتيق والمعقد، يجب أن يصبح الفائز في التصويت الشعبي هو الرئيس منطقياً. وهذا لم يحدث في عامي 2000 و2016. وإذا لم يجر إصلاح الأمر بحلول 2020، فمن المؤكد أن نسبة أكبر من الأميركيين سيفقدون إيمانهم بديمقراطيتهم أكثر مما فعلوا.
وهناك إصلاح أكثر راديكالية لفرع من السلطة التنفيذية تحتاجه أميركا، وهو: استبدال الحكومة المتضخمة بمجلس تنفيذي من مجموعة من الشخصيات التي لديها خبرة في الحكم. ومما يثير الاستغراب، فإن هذا هو القاسم المشترك بين أيقونة الديمقراطية سويسرا وأيقونة الاستبداد الصين.
الدرس الإضافي من مراقبة اللجنة الدائمة المركزية للحزب الشيوعي في الصين هو أن أعضائها السبعة لديهم جميعاً خبرة واسعة في حكم المحافظات التي هي كبيرة بحجم أميركا، وحقائب متعددة ذات علاقة بالبنى التحتية والتعليم. ويعمل هؤلاء بشكل جماعي بدلاً من العمل كل في صومعته. وملخص الكلام، فإن سبعة رؤوس أفضل من رأس واحد، خاصة عندما يكون الشخص من دون خبرة في الحكم كحال ترامب.
وعلى الرغم من أن الدستور الأميركي لا يتحدث شيئاً عن الأحزاب السياسية، فإن الأميركيين محاصرون بحزبين سياسيين لا غير، على الرغم من أن 60 في المئة منهم يريد حزباً ثالثاً. وفي الحكومات البرلمانية، فإن الائتلافات يجب أن تفي بتعهداتها أو تخاطر بالخروج من السلطة.
وفي ظل عدم توقع أي إصلاح لنظام تمويل الحملات، فإن السماح بمزيد من الأحزاب السياسية قد يكون السبيل الوحيد لتحدي السياسات التي تحركها الأموال.
الإصلاح رقم 2: إعادة بناء جهاز فيدرالي معزز، كالذي لدى بريطانيا وسنغافورة. تحتاج أميركا إلى استعادة الجهاز الفيدرالي القوي الذي كان لديها في منتصف القرن العشرين الذي طبق سياسات «العقد الجديد».
وكي لا تتحول رؤية ترامب للبنى التحتية، التي تقدر بتريليون دولار، إلى مجموعة عشوائية من الأعمال التافهة، فإنه على وزارتي التجارة والنقل أن تعملا بشكل وثيق مع جمعية الحكام الوطنيين وسلاح المهندسين في الجيش لتصميم مشاريع على نطاق إقليمي للحد من الاختناقات العديدة في البلاد.
ومن هنا، فإن جهاز خدمة مدنية من تكنوقراطيين مختارين بناءً على الجدارة وبالتزام ثابت بالرفاه الوطني، يعد أكثر أهمية. وهذا الجهاز يمكنه أن يصمم وينفذ خططاً طويلة المدى عبر الوزارات، حتى عندما لا يفعل المسؤولون المنتخبون شيئاً.
الإصلاح رقم 3: توفير البنى التحتية التي تحتاجها الولايات في سبيل الازدهار، كما تفعل ألمانيا. وما يميز ألمانيا كبلد كبير بحكم جيد هو أن الحكومة توفر أسس البنية التحتية الوطنية لكل مدينة وصناعة توصلها بالأسواق العالمية. كان القاضي لويس برانديز يطلق على الولايات اسم «مختبرات الديمقراطية»، لكنها أيضاً حاضنات تكنوقراطية إلى حد كبير.
ونظراً للانحياز الجمهوري في البيت الأبيض والكونغرس والمحكمة العليا، قد يثبت ترامب أنه رئيس حاسم يطبق تغييراً بعيد المدى. لكن مقياس النجاح ليس بمقدار ما يتغير الرئيس، ولكن في أي اتجاه.