كنت أنصت باستمتاع إلى مؤسس علم النفس الإيجابي، البروفيسور مارتن سيليغمان، 75 عاماً، الذي كان يتحدث أمامنا على المسرح عن القوة الكامنة للإيجابية وهو خير من يتطرق لهذا العلم الذي بزغ فيه نجمه.

في أثناء حديثه في قمة الحكومات العالمية في دبي تذكرت إحدى ندواته التي قال فيها إنه حينما قدم نفسه كعالم نفس إلى الجالس بجانبه في الطائرة، قبل أن يبرز لاحقاً في علم النفس الإيجابي، لاحظ أن جليسه قد غير كرسيه، وتكرر الأمر في أماكن أخرى، وهو ما فسره بأنه شعور طبيعي ينتاب الناس .

حينما يعلمون أن «علمنا متخصص في معرفة سلوكيات الناس السلبية»، غيره أنه حينما شق طريقه لاحقاً في أبحاث «الإيجابية» صار عندما يعرف نفسه كمتخصص في أبحاث علم النفس الإيجابي يتوافد إليه الناس من حوله، وهو ما يراه عائداً لحاجة الناس المتزايدة إلى هذا العلم وإلى أنه قد ثبت علمياً أن العديد من الأمراض النفسية يمكن الشفاء منها.

من نصائحه للجمهور، ما كشفته دراسته المهمة حينما حصر فيها نحو 100 مليون تدوينة في تويتر وصنف كلماتها إلى مفردات سلبية وإيجابية وقارنها بالمؤشرات العشرة الشهيرة بالتنبؤ بمخاطر الإصابة بأمراض القلب في نحو 1300 مقاطعة أميركية ثم عرض خريطة ملونة أظهرت مفاجأة بأن ما يقال في تويتر يمكنه التنبؤ باحتمالات الإصابة بأمراض القلب بنسبة إحصائية أكبر من كل المؤشرات العشرة.

وهذا ما فعله المبرمج الكويتي المبدع عذبي المطيري، قبل سنوات، حينما أطلق موقع «كيف يفكر الكويتيون في هذه اللحظة» والسعوديون كذلك، إذ جمع فيه المفردات اليومية ليخرج يومياً بصفحة تظهر أكثر ما يردده الناس، ولا شك أن كثيراً منها سلبي ومثير للإحباط. وهو نفسه الذي ابتكر «موجز» أول موقع لأرشفة فيديوهات سناب تشات.

ولرفع شيء من مشاعر الكآبة المخيمة علينا، اقترح البروفيسور سيليغمان، نصيحة مبينة على دراسة، وهي أن يكتب كل فرد بعفوية في دفتر يومياته journal ثلاثة أمور إيجابية استمتع بها في يومه، مهما كانت بسيطة مثل مذاق لذيذ لطبق ما تناوله، أو محاضرة ممتعة أو صديق استمع إليه، أو مكان ارتاده واستمتع به وغيرها، إذ تبين علمياً أنه بعد 6 شهور سيرتفع بشكل ملحوظ شعوره بالرضا الحياتي وسوف تنحسر مشاعر الاكتئاب.

مشكلتنا أننا نريد أن نضمن أن إقدامنا على أي محاولة لتغيير واقعنا يجب أن «تقتلع» لنا الجذور السلبية التي نشعر بها، وإلا لن نقدم على خطوة التغيير، أو تطبيق نتائج أبحاث الإيجابية، غير أن هذا ليس ممكناً لأن الله عز وجل قال «لقد خلقنا الإنسان في كبد» أي في نصب وشدة يكابد مصائب الدنيا.

ولذا نحاول تخفيف وطأة الألم لتفادي تداعياته. ونزاحم الكلام والكتابات السلبية بالإيجابية. وكما قال سيليغمان «إذا نجحنا في تخفيف المشاعر السلبية فهذا بحد ذاته إنجاز» يستحق عناء المحاولة.

لقد اطلعت على كم هائل من أبحاث علم النفس الإيجابي بصفتي باحثاً وكاتباً ووجدت أثرها عظيماً على تفكيري ونفسيتي ويومياتي وعلاقاتي. ولذا نذرت نفسي وكتاباتي لكل ما يستنهض همم أفراد أمتنا علنا نساهم جميعاً في بناء لبنة في جدار الحضارة المنتظر.