قد يستفيد من النهج غير التقليدي للرئيس الأميركي دونالد ترامب كل من الاقتصاد والمجمع الأكاديمي وقضيتي الهجرة والبيئة.

وكانت الشعوبية الوسطية (على نقيض الشعبوية الاشتراكية لبرني ساندر) قد تعرضت لانتقادات غير مبررة من وسائل الإعلام، أخذاً في الاعتبار أنها سبق أن تلطخت بفعل تيارات معادية للأجانب وتيارات شوفينية في الماضي.

ومع ذلك، كانت هناك بعض العناصر في أجندة ترامب الشعبوية، ليست متأخرة عن موعد استحقاقها فحسب، إنما أيضا مفيدة للحزب الجمهوري، وهذه العناصر في معظمها تتعلق بالاهتمام في إعادة تطوير القاعدة الصناعية والتصنيعية في قلب المناطق الأساسية في أميركا، وإيجاد فرص عمل بأجور أفضل للخاسرين من العولمة.

فكرة ترامب القائلة إن الازدهار واسع النطاق قد يقلص النزعة القبلية وخطوط التصدع العرقية سعت إلى تقويض التأييد التقليدي للديمقراطيين. فالشعوبية، بكل تأكيد، يمكن تحديد معالمها من خلال ارتباطها بعدد كبير من الحركات الشعبية الجماهيرية، من أقصى اليسار عبر الوسط وصولا إلى اليمين المتطرف.

الرابط المشترك بينها هو أن الناخبين العاديين يشعرون بحالة من الاغتراب عن طبقة النخبة في السياسة وأسلوب الحكم والإعلام والترفيه. وفي معظم الأحيان، فإن غضباً لا يمكن السيطرة عليه يأخذ شكل ردود عاطفية على إهانات قائمة، وليس سياسات موضوعة بعناية تهدف إلى معالجة مظالم متصورة.

وبناء على ذلك، تبرز الحاجة إلى هذه الانتفاضات الدورية في المجتمعات التوافقية لتحرير طبقة حاكمة تفتقر للمشاعر، بالأحقية والامتياز. أما الشرارة التي تلهب الحركات الشعبوية، فليس التفاوت الكبير في الثروة والمكانة، بقدر ما هو النفاق الخالص.

ولقد سبق أن رأينا نهج ترامب الذي يفترق إلى العقائدية في التعامل مع الوظائف والتجارة والاقتصاد: فكرته تقول إن السوق الحرة يمكن في معظم الأحيان أن تصبح بنياناً خطابياً واضحاً، وليس طريقاً باتجاهين عندما يتعلق الأمر بالتكتلات التجارية.

وقد يرى الأصوليون المؤيدون للسوق الحرة انتقال الوظائف للخارج والاستيراد الجامح للمنتجات المدعومة من الخارج على أنها من الطرق لتعزيز تنافسية الشركات الأميركية وتشذيب الزوائد منها، لكن من يتبنى وجهة النظر تلك هم في العادة المستفيدون من العولمة والفئة غير المعرضة كثيرا لعملية تقليص الوظائف أو إلغائها أو شحنها للخارج.

إذا تجنب ترامب فرض تعريفات جمركية مدمرة، وتوفير دعم للشركات التي لا تتمتع بالكفاءة، فإن شعبويته الاقتصادية، جنباً إلى جنب، مع إصلاحات الضريبة والتدابير التنظيمية، يمكن أن توجد فرص عمل في البلاد، وأن تقوض أسس الحزب الديمقراطي. لكن هناك الكثير من تطبيقات النهج الشعبوي في مجالات أخرى بحاجة إلى إصلاح متناسب من شأنه أن يسفر عن مكاسب سياسية.

وغالباً ما يعارض التقدميون بين النخبة عمليات التكسير والحفر الأفقي والتعدين وقطع الأشجار وبناء الطرقات السريعة والإسكان بأسعار معقولة مخفضة، أما السبب في ذلك فيعود جزئياً إلى أن الوفرة التي لديهم تسمح لهم بوقف عجلة التطوير الذي يؤمن الوظائف والدخل وحياة أكثر احتمالا للآخرين.

وتستمد هذه المعارضة أيضا قوتها من شعور ينطلق من الجنوب الأميركي (الصاعد حديثاً في مناطق حيث هناك صفر نمو، وبنية تحتية متحجرة)، بأنه ينبغي وقف التقدم، وأنه من الممكن تجميد أساليب الحياة العصرية. فالنخبة في النهاية لديها الوقت والمال للتخلي عما يطلق عليه أسلوب الحياة المثير للإحباط.

ونحن نشهد تجربة شعبوية عظيمة من جانب ترامب: هل نهجه القاعدي الجماهيري غير التقليدي للتحديات الوجودية ستكشف الغطاء أخيراً عن الحركات التقدمية على كونها حركات تغذيها في المعظم مخاوف النخبة، فيما يركب الجمهوريون موجة نجاحات ترامب الانتخابية؟

عند هذا المنعطف، أربكت شعبوية ترامب بتركيزها على الوظائف والتجارة أعداءه، وقدمت مجالات جديدة من البرامج الشعبوية لحلفائه. لكن لا أحد يعلم إلى أي درجة تغذي تجاوزات ترامب الشخصية جاذبيته الشعبوية، أو ما إذا كانت هذه التجاوزات ستقوض في النهاية أجندته.