كانت القمة العالمية للحكومات، بنتائجها وموضوعاتها، مواكبة للتطورات في المنطقة، التحولات المخيفة والغريبة العاصفة، زلزلت الأرض من تحت أقدام الشعوب، بينما بقيت الإمارات ودول الخليج الكتلة الصلبة المحافظة على ما تبقى من مؤسسات في العالم العربي!

طُرح موضوع التنمية، الذي توسع بشرحه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، ضارباً مثلاً بمحاولات القذافي صنع نموذج على غرار مدينة دبي، وأرسل سموه وفداً للجلوس مع المسؤولين الليبيين، تلبيةً لرغبة دولة عربية أن تتجاوز العيش بالتاريخ، لتدلف إلى الحاضر بكل تشعباته وصعوباته، غير أن الصدمة كانت من «التنفيع» بين المسؤولين الليبيين آنذاك، ما جعل العمل ببيئة فاسدة مالياً، أمراً في غاية الصعوبة.

يتساءل الشيخ محمد بن راشد: «لماذا يصر البعض على تقدير مشروع لا يكلف إلا مئة مليون، بألف مليون؟»، معتبراً سبب نجاح تجربة دبي والإمارات التنموية «الوقاية من الفساد»، متوعداً بمنع الفساد من تسربه إلى المؤسسات، قائلاً: «لن أرضى ولا أخي محمد بن زايد، بالفساد بالبلاد»!

تبخر حلم القذافي ببناء مدينة على غرار دبي، بسبب الفساد الناخر، والدمار الذي هشم المؤسسات بسبب المنافع والمحسوبيات، من هنا، تصبح التنمية مستحيلة وممتنعة، في ظل أجواء ومناخات فاسدة.

على الضفة الأخرى، طُرح موضوع الإرهاب، قصّة الصديق عبد الله بن بجاد العتيبي، مع زعيم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، يوسف العييري.

حيث كان يضمر الشر في نظراته لابن بجاد بآخر لقاءٍ بينهما جمعهما به مطعم في شرقي الرياض، اعتبر العتيبي في محاضرته، أن السخط هو أخطر الشرارات التي تشعل الإرهاب، مستشهداً بمقولة عنيفة، تبرهن على دور سيد قطب بتغذية العنف والإرهاب بالعالم، يقول قطب:

«أما أنا فسأظل ساخطاً»، و«إنه لو وُكل إليّ الأمر لأنشأت ضعف هذه المدارس التي تنشئها الدولة، لأعلم فيها الشعب شيئاً واحداً، هو السخط. لو وكل إليّ الأمر لأنشأت مدرسة للسخط على هذا الجيل من رجال السياسة... ومدرسة للسخط على أولئك الكتّاب والصحافيين الذين يقال عنهم إنهم قادة الرأي في البلاد... ومدرسة للسخط على أولئك الوزراء»!

أما على مستوى النمو الحضاري، فقد تحدث المفكر إبراهيم البليهي عن عوائق النهوض، أبدع في توصيف المشكلة، ذلك أن التخلف ليس مستوى من الثبات، بل نوع من التقهقر إلى الوراء، ويلح على دور التعليم في تصحيح التصورات، وليس إضافتها، والمعلومة الصحيحة لا تأتي بتلقائية، بل بجهدٍ ووعي.

ذلك أن كل مجتمعٍ يعتقد أنه أفضل المجتمعات، حتى في أشد حالات التخلف، والتعليم يجب ألا يحرس ما هو قائم من التصورات والآراء والعادات، بل يأخذ شكل التغيير وحفر طريق أخرى، تتجاوز النمط السائد والتلقين الأعمى.

تلك المحاور، التنمية، مقاومة التطرف، النهوض الحضاري والتعليمي، أبرز ما نحتاجه بالمنطقة، لدينا أمية تتزايد، بسبب الحروب بسوريا وليبيا والعراق، وهناك تحديات أمنية، أشار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد إلى قدرة الإمارات على مواجهتها بالسبل المناسبة، ذلك أنها على أهبة الاستعداد، أما النهوض الحضاري فمرهون بكل تفاصيله إلى المجتمعات...

هل تريد السير عكس التاريخ متجهة للانقراض، أم تشق طريق الخلاص؟!

الرؤى التي طرحت حول الفساد وخطورته على التنمية المستدامة، بات ضرورياً الإيمان بها، لننظر إلى دول لديها غنى بالطبيعة، والمناخ، والموارد والصناعات الغذائية، لكنها غارقة بالفساد، ما جعل النهوض من كبوات الاقتصاد من المستحيلات!

شملت القمة مثلث المخاطر... الفساد، الإرهاب، الجهل، ولكل داء مصله، بالشفافية، والتسامح والانفتاح، ومن ثم بالتعليم القوي والممنهج والمؤسس، نستطيع أن نحافظ على ما صنعناه بدولنا الخليجية، وأن نطرح النموذج على بقية الدول العربية، إن أرادت احتذاءه، فالطموح يأتي فقط لمن لا يعرف المستحيل!