هناك تأثيرٌ هام وكبير لما يقوم به نشطاء فلسطينيون في الولايات المتحدة الأميركية، بمبادراتٍ فردية، خاصّةً في الحملات الانتخابية المحلّية، وفي ريادة منظّمات وجمعيات عربية وإسلامية، لكن بلا قدرة على توظيف هذه المبادرات الفردية، في إطار فلسطيني تنسيقي واسع وشامل.
فالطاقات الفلسطينية في الولايات المتحدة مشتّتة، رغم أهمّية هذه الطاقات حجماً ونوعاً، ولا تتمّ الاستفادة الفاعلة منها لصالح القضية الفلسطينية في بلدٍ تتحرّك فيه إسرائيل بشكل واسع ومؤثّر، عبر هيئات مختلفة للجالية اليهودية الأميركية.
لذلك، هناك حاجةٌ قصوى لقيام مؤسّسة تُعبّر عن كل الفلسطينيين في الولايات المتحدة، لتكون إطاراً عاماً يجمع نخب الشتات الفلسطيني في أميركا الشمالية خصوصاً.و
ذلك كفيلٌ أيضاً، في حال تحقيقه خلال السنوات القليلة القادمة، أن يجمع خلفه ومعه الكثير من الطاقات العربية الفاعلة في الولايات المتحدة، فالقضية الفلسطينية كانت نقطة الجذب التي يلتقي حولها ومن أجلها معظم العرب في الغرب، وهذه القضية هي أساس الصراع العربي/الصهيوني الممتد لقرنٍ من الزمن، منذ إطلاق «وعد بلفور»، وخضوع البلاد العربية للهيمنة الأوروبية، ثمّ تأسيس دولة إسرائيل، وبدء صراعها مع الدول العربية المجاورة لها.
ما أحوج الأمَّة العربية اليوم إلى عمل نهضوي عربي شامل، تشترك فيه مجموعة من طلائعها الواعية المقيمة في بلاد العرب، مع الطاقات العربية المنتشرة في بقاع العالم.مأساة الأمَّة تكبر يوماً بعد يوم، ليس بسبب ما يحدث فيها وعلى أرضها فقط، بل نتيجة ما يخرج منها من كفاءات وأموال وأدمغة.
ولقد توفَّرت للمهاجرين العرب إلى الغرب، فرصة العيش المشترَك في ما بينهم، بغضِّ النظر عن خصوصياتهم الوطنية، وبالتّالي، توفَّر إمكان بناء النموذج المطلوب لحالة التفاعل العربي في أكثر من مجال.
أيضاً، أتاحت لهم الإقامة في الغرب فرص الاحتكاك مع تجارب ديمقراطية متعدّدة من الممكن الاستفادة منها عربياً، في الإطارين الفردي والمجتمعي.
ولطالما تساءل الكثيرون عن سبب نجاح «المحامي الإسرائيلي» في أميركا، بالدفاع عن جرائم حرب تقوم بها إسرائيل على مدار عقود من الزمن، بينما يتعثّر دور «المحامي العربي» عموماً، والفلسطيني خصوصاً، في الدفاع عن قضية عادلة ترتبط بكل المبادئ والقيم التي يتفاخر الأميركيون بحملها والحديث عنها.
رغم كلّ الأبعاد الهامّة للقضية الفلسطينية، يتعثّر دور العرب والفلسطينيين في المجتمع الأميركي، ويتواصل ويمتدّ حبل الكذب والتزوير للحقائق من قِبَل الجماعات المؤيّدة لإسرائيل، فالتأثير العربي في سياسات دول الغرب، ما زال لأسبابٍ عديدة محدوداً، بينها طبعاً تشرذم العرب أنفسهم، وتضارب اهتماماتهم الوطنية، وضعف تمسّكهم بهويّتهم القومية العربية.
وسيكون الفارق كبيراً في أعمالهم وحركتهم، لو توفّر أمامهم نموذجٌ فلسطينيٌّ رائد في إطاره التنظيمي، وفي برنامجه الوطني الفلسطيني الشامل.
في أميركا مئات الألوف من الفلسطينيين، وهم بمعظمهم الآن من المواطنين الأميركيين، وفيهم كثافة كبيرة من المهنيين الناجحين جداً في أعمالهم الخاصة، بل إنّ معظم المؤسّسات والجمعيات العربية والإسلامية، ينشط فيها بدرجة أولى من هم من أصول فلسطينية، وهناك أيضاً العديد من المتموّلين الفلسطينيين المقيمين في الولايات الأميركية.
هذه كلّها مواصفات لتشكيل قوة سياسية واقتصادية فلسطينية فاعلة، لو جرى الجمع أو التنسيق بين عناصرها المبعثرة طاقاتها والمشتّتة أعمالها، فالفلسطينيون، كما العرب عموماً في أميركا، ينجحون في أعمالهم الفردية، ويتعثّرون كثيراً في مؤسّسات العمل الجماعي المشترَك.
مهما كانت الأسباب وراء غياب «العمل الفلسطيني المنظّم المشترَك» على الساحة الأميركية، فإنّ ذلك أصبح حالةً سلبية خطيرة لا يجوز استمرارها، خاصّةً في مرحلة أضحت فيها القضية الفلسطينية مُهمّشة دولياً وعربياً، بينما تواصل إسرائيل الاستيطان والتهويد في الأراضي المحتلّة.