حين حطّت الطائرة الملكية في مطار جاكرتا، كانت أنظار العالم شاخصة باتجاه هذه الزيارة وملامحها. عمليات البحث حول الجزر الإندونيسية، التي تتجاوز السبع عشرة ألف جزيرة، حيث اتجهت الأنظار نحو هذا البلد الطيب، وفي حوار مع الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، قال لي: «يهمنا مشاهدة الناس للمناظر الجميلة في البلاد»، معتبراً الزيارة، ضمن سياق لفت الأنظار نحو السياحة والجمال، وبخاصة لهواة السفر والسياحة في منطقة الخليج.
زيارة توجت بالجمال الإنساني أولاً، حيث الحفاوة الحميمية على الطريقة الإندونيسية، وبينما الملك سلمان يتناول الحساء، ابتدره الرئيس الإندونيسي بحوار خفيف اجتماعي، ليبثه من بعد على صفحته بالفيسبوك، لمجتمع ناهز عدد سكانه الربع مليار إنسان، وقد تحدث الملك عما يجول بخاطر السعوديين، إذ تعتبر إندونيسيا منذ مطلع الثمانينيات شريكاً حيوياً، للخليجيين عموماً.
وللسعوديين بشكل خاص، وقد أخذت الزيارة مجالها الجمالي ثانياً، حيث المناظر الرائعة، والبساطة الحيّة بمجتمع جذبه الإسلام من بوابة التجار العرب على المستوى الاقتصادي، الذي كان أخلاقياً في التداول التجاري، حيث اتسمت حينها كلمة العربي أثناء المقايضة بالصدق، فالكلمة أبلغ من الكتابة، وذلك عبر سواحل سومطرة، وشبه جزيرة الملايو، وهذا ما حدث بالفعل.
وبرغم التعاون الاقتصادي بين البلدين، إذ ناهز الأربعة مليارات دولار، إلا أن الجانب الاجتماعي يطغى على الملفات، إذ دأبت الجالية الإندونيسية بحضورها نحو السعودية، هذا برغم حوادث فردية جعلت الإجراءات أكثر تعقيداً. يعيش بالبلد أكثر من ست ديانات، وآلاف الأعراق المتعددة، والمتنوعة.
أما التشكيلة الثقافية للبلاد، فهي ما أغرى العلماء بالبحث حولها وفيها. معتقدات عديدة، وأساطير، وحمولة من الآثار التاريخية، ولكن يحدث كل ذلك بانسجام تام، كما تتنافر النوتات الموسيقية، لتصنع قطعة بديعة تسحر الألباب، ولم تكن وطأة الحاجة الاقتصادية الإندونيسية، لتؤثر على نفوس الناس، بل يقوم الشغف الدنيوي على العمل الدؤوب، واستثمرت الحكومة بالإنسان، واستطاعت تجاوز الصعاب في مجالات شتى.
وعلاوة على ملفات الاقتصاد والطاقة، واتفاقيات أخرى، فإن الجانب الفكري والثقافي له حضوره، وقد صرح الرئيس الإندونيسي، بأن مشكلة التطرف على رأس الأولويات، وبين أن المحاربة الفعلية للتطرف تبدأ من القانون، ومن ثم المعالجة الفكرية، هذا ما يمكنه أن يحد من سيولة الإرهاب في الواقع مثل وقود قابل للاشتعال بأي لحظة، وهذا مشترك عملي بين إندونيسيا والسعودية.
حيث قال الملك في كلمته: «إن التطرف، والإرهاب، والتدخل في الشؤون الداخلية، للدول تتطلب منا الوقوف صفاً واحداً»، ودليل ضرورة ذلك، أن البلدين عانيا من الإرهاب الدموي القاسي، والجانب الآخر أن السعودية لديها الوزن الديني الاستراتيجي، عبر احتضانها للحرمين الشريفين، ولأن إندونيسيا أكبر بلد إسلامي من حيث عدد السكان، وحين تتضافر الجهود الفكرية والأمنية، يمكن نزع فتيل الإرهاب وإبطال فعاليته الدموية!
تمثل جولة الملك الآسيوية، رافداً مهماً لبناء الرؤية الطموحة 2030، والتي تتضمن نقلة نوعية بمجال إدارة الاقتصاد والموارد، ودول مثل إندونيسيا، وماليزيا، واليابان، والصين، لديها خبرات بمجالات الطاقة والاقتصاد، وهذا ما يجعلها آتية، ضمن سياق النقلة الاقتصادية السعودية، وهي نقلة يرتبط بها تلقائياً التطور الفكري والثقافي، لمواكبة العصر والزمن بكل سرعاته المتجددة يومياً،.
وقد أشار الملك سلمان إلى ضرورة التعاون بين السعودية، وتلك الدول، لبناء شراكة اقتصادية، تليق بمستوى التغيرات الدولية.
هذه هي ملامح الزيارة الفارقة والتاريخية، والتي ستؤتي ثمارها، ليس لجيل واحد فقط، بل للأجيال التي ستأتي وترى الأرض الممتدة بصحرائها قد صنعت معجزة، حين أوجدت موارد رديفة غير ناضبة، لأن النفط مجرد ضيف وسيغادر، بينما الأرض تبقى بما فيها من خير ينفع الناس.