إن اعتماد الاستراتيجية الوطنية لـ «عام الخير» التي جاءت بناءً على نتائج ومخرجات «خلوة الخير» التي دعا إليها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، حفظه الله ورعاه، في فبراير الماضي.
وأدت لإطلاق واعتماد الاستراتيجية الوطنية بمساراتها الستة، وأولها المسؤولية الاجتماعية للشركات والشراكات بين الحكومة والقطاع الخاص، والمبادرات العديدة المنبثقة من هذا المحور، ومن أهمها المنصة الذكية للمسؤولية الاجتماعية، والإفصاح الإلزامي للمسؤولية الاجتماعية، المؤشر الوطني للمسؤولية الاجتماعية، وجواز المسؤولية الاجتماعية، وأخيراً المشتريات المسؤولة.
من هنا يكتسب الدور الاجتماعي للشركات في العالم أهمية متزايدة في ظل الأعباء الاقتصادية على الحكومات مما جعل الكثير من تلك الحكومات تتخلى عن أدوارها الاقتصادية، الأمر الذي دفع الشركات إلى حمل الراية وتبني برامج فعالة للمسؤولية الاجتماعية بعد أن تكون قد استوعبت الخطط الاستراتيجية للدولة وحاجات المجتمع المتنوعة.
وتعد المسؤولية الاجتماعية عاملاً مهماً ودعامة أساسية لاقتصاديات الدول المتقدمة نابعة من حس اجتماعي ومؤشر لا يقوم إلا على الشعور بتلك المسؤولية تجاه المجتمع الذي ينتمي إليه، ومن هنا تقوم بدعم المبادرات الاجتماعية لمواجهة سيطرة وجموح العولمة والجشع المادي.
إن دولة الإمارات اتخذت قراراً رئيساً أن تكون حكومتها ضمن أفضل حكومات العالم، فشرعت بتبني العديد من المبادرات التي تصب في تحقيق تلك الرؤية وهي متجهة بثبات وتسارع للمستقبل، الأمر الذي جعلها تحرص على تطوير تشريعاتها وتسخيرها لضبط الظواهر الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية.
وجاء قانون الشركات التجارية لدولة الإمارات العربية المتحدة رقم 2 لسنة 2015م، ليؤكد الدور الاجتماعي للشركات، وقد رسمت المادة الثانية منه خارطة الطريق لذلك حيث نصّت على أن القانون يهدف إلى المساهمة في تطوير بيئة الأعمال وقدرات الدولة ومكانتها الاقتصادية بتنظيم الشركات طبقاً للمتغيرات العالمية خاصة ما تعلق منها بتنظيم قواعد الحوكمة وحماية حقوق المساهمين والشركاء.
ودعم تدفق الاستثمار الأجنبي وتعزيز المسؤولية المجتمعية للشركات. إضافة إلى ذلك فإن المادة 242 أكدت تلك المسؤولية، فقد أجازت لشركة المساهمة العامة بعد انقضاء سنتين ماليتين من تاريخ تأسيسها وتحقيقها أرباحاً.
وبموجب قرار خاص، أن تقدم مساهمات طوعية، ويجب ألا تزيد على (2 %) من متوسط الأرباح الصافية للشركة خلال السنتين الماليتين السابقتين للسنة التي تقدم فيها تلك المساهمة الطوعية، على أن تكون المساهمات الطوعية في أغراض خدمة المجتمع، وأن يذكر بشكل واضح الجهة المستفيدة من هذه المساهمات الطوعية في تقرير مدقق الحسابات وميزانية الشركة.
لقد عرّف البنك الدولي المسؤولية الاجتماعية على أنها التزام أصحاب النشاطات التجارية بالمساهمة من خلال العمل مع موظفيها في التنمية المستدامة من خلال عمل موظفيهم وعائلاتهم والمجتمع لتحسين مستوى معيشة الناس، بأسلوب يحترم التجارة ويخدم التنمية في آن واحد.
وعرّفتها الغرفة التجارية العالمية على أنها جميع المحاولات التي تساهم في تطوع الشركات لتحقيق تنمية بسبب اعتبارات أخلاقية واجتماعية. فالمسؤولية الاجتماعية تقوم على المبادرات الخيّرة من الشركات دون وجود إجراءات قانونية ملزمة.
إن مساهمة الشركات الاجتماعية ترتكز على مساهمتها في رفاهية المجتمع ووجود علاقة مع أصحاب المصالح من جهة ومع المجتمع من جهة ثانية. ويجب دمج هذه المسؤولية في رؤية ورسالة وسياسات الشركة وثقافتها، وكذلك ضمن القواعد والمبادئ التي تسير عليها الشركة واعتبارها من مسؤولية الإدارة التنفيذية، والتخطيط الاستراتيجي.
وضمن مسؤوليات وإشراف المؤسسة وإدماجها ضمن برامج الاتصالات والتدريب والتعليم، كذلك أن تتضمن الاعتراف بقيمة الموظف ومنحه الحوافز الكافية، كما يجب على الشركة أن تعد التقارير الدورية والقيام بالتدقيق حول مدى مراعاتها لمسؤوليتها الاجتماعية.
يجب أن تكون المساهمات الاجتماعية للشركة استجابة اجتماعية قبل أن تكون مسؤولية اجتماعية، على اعتبار أن الثانية تتضمن الإلزام بينما تتضمن الأولى وجود دافع أو حافز أمام رأس المال لتحمل المسؤولية الاجتماعية.
فالمسؤولية الاجتماعية للشركات تعني التصرف على نحو من المسؤولية والمساءلة، ليس فقط أمام أصحاب حقوق الملكية ولكن أمام أصحاب المصلحة الأخرى بمن فيهم الموظفون والمتعاملون والشركاء والحكومة والمجتمع وأجيال المستقبل.
إن المسؤولية الاجتماعية وليدة عدة تحديات من أهمها: العولمة والضغط الحكومي والشعبي، إضافة إلى الكوارث الطبيعية وقضايا الفساد وأخيراً التطورات التكنولوجية المتسارعة. وإن نشر ثقافة المسؤولية الاجتماعية لدى الشركات ستقف أمام مجموعة من التحديات، من أهمها: سطحية تلك الثقافة إن لم تكن انعدامها في المؤسسات، وخلوها من التنظيم.
وكذلك غياب ثقافة العطاء والمنح للتنمية، أيضاً قلة الخبرات والمعرفة والقدرة العلمية على وضع المقاييس لقياس المجهودات. ينبغي أن تنصب جهود المسؤولية الاجتماعية في مجالات التعليم، والصحة، والمتقاعدين بابتكار مشاريع تتناسب مع أعمارهم واهتماماتهم.
إن دولة الإمارات العربية المتحدة حريصة على توفير المناخ الملائم لذلك وفي مواجهة تحديات المنافسة العالمية وإعطاء القدوة الحسنة للشركات من خلال الإفصاح والشفافية وتحسين نظم الحوكمة وتشجيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وقد أصدرت دبي القانون رقم (22) لسنة 2015 بشأن تنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص في إمارة دبي. ونقترح أن تتبنى الدولة جائزة لتشجيع الشركات على المساهمة الفعالة في برامج المسؤولية الاجتماعية لرأس المال.