في الخامس والعشرين من مارس الجاري، ستحتفي دبي، مع العالم بأسره، باستضافتها لأحد أهم الأحداث في عالم سباقات الخيول ألا وهو «كأس دبي العالمي لسباق الخيل» بدورته الثانية والعشرين، والذي يحظى سنوياً بمشاركة نخبة من أفضل الخيول من مختلف أنحاء العالم للتنافس على أرض دولة الإمارات العربية المتحدة التي اشتهرت عبر التاريخ بتراثها الغني وتقاليدها العريقة في هذا الميدان.

حيث يستقطب هذا الحدث اهتمام الآلاف من عشاق الخيول ورياضاتها الذين يحرصون على حضوره ومتابعة فعالياته من داخل الدولة وخارجها؛ إلا أن الكثيرين أيضاً ربما يتطلعون لمعرفة المزيد حول سباقات الخيول، معلومات بسيطة من شأنها أن تضيف أبعاداً جديدة إلى تجربتهم مع السباق.

فغالباً ما تكون لدى البعض أسئلة بسيطة تبحث عن إجابات قد لا تتوفر في الكتب والتقارير المتخصصة التي غالباً ما تُركّز على الأصول والنظريات أكثر من اهتمامها بشرح ماهية هذه الرياضة الرائعة للمبتدئين.

لذلك، أردت أن أشارككم بعض أفكاري عبر سلسلةٍ من المقالات، وحتى تاريخ انعقاد كأس دبي العالمي، أملاً في توضيح جوانب هامّة لهذه الرياضة وأسرارها لشريحةٍ أكبر من المهتمين.

لم تكن الطموحات المتواضعة من سمات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، يوماً.

لذا، من المعروف أنه عندما يضع سموِّه استراتيجية لتطوير سباقات الخيول في دبي، فلن يكون فيها مكان لأنصاف الحلول.

ويُكِن سموِّه احتراماً بالغاً لتاريخ سباقات الخيول المهجنة الأصيلة (ثوروبريد)، وتقاليدها التي تعود إلى بداية هذه السلالة قبل 300 عام بثلاثة فحول عربية أصيلة، هي دارلي أرابيان، وجودلفين أرابيان، وبايرلي تيرك، كما يفخر سموِّه بأصوله البدويّة وبتقاليد سباقات الخيل.

وقبل ثلاثين عاماً، كانت البداية المتواضعة لسباقات الخيل في دبي، تقام على مضمار رملي، أعدّ أصلاً لسباقات الهجن. وحقيقة، لم تكن تلك البداية تشبه بأي شكل من الأشكال، أول تجربة لدولة الإمارات مع سباقات الخيول الأصيلة في ستينيات القرن الماضي، عندما شهِد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أول سباق في مدينة تعد قلب سباقات الخيول البريطانية - نيوماركت.

واليوم، لدينا موسمنا الخاص للسباقات، الذي يمتد على مدار خمسة أشهر، ويضم حوالي 60 سباقاً سنوياً، تقام جميعها في قلب دبي، وضمن الصرح الرياضي النابض بالحياة «ميدان»، مضمارنا الذي أصبح أيقونة دولية في مجال سباقات الخيل وصناعتها، وهو المضمار الذي يستضيف كل عام أهم سباقاتنا، كرنفال «كأس دبي العالمي».

يجتذب هذا الحدث، أفضل الخيول والمدربين في العالم، يتنافسون للفوز بأعلى الجوائز في 10 سباقات. ويبلغ الكرنفال ذروته، يوم كأس دبي العالمي، الذي يُختتم به الموسم في السبت الأخير من شهر مارس، وهو أغلى أيام السباق في العالم، حيث يصل مجموع جوائزه إلى 30 مليون دولار أميركي. ويتوِّج هذا اليوم سباق «كأس دبي العالمي» بجائزته الماليّة الأغلى والأغنى في العالم، والتي تبلغ 10 ملايين دولار أميركي.

إن شغف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الكبير، وارتباطه الوثيق بسباقات الخيول، أمر يعرفه الجميع، حيث تنتشر مؤسساته التي تُعنى بصناعة الخيل حول العالم، ويتضح من ذلك حرص سموِّه ورغبته لوضع دبي ودولة الإمارات العربية المتحدة على خارطة السباقات العالمية.

ويمثل كأس دبي العالمي، احتفالاً كبيراً بسباقات الخيول المهجّنة الأصيلة (ثوروبريد)، إلاّ أن صناعة سباقات الخيول لدينا أكبر من ذلك بكثير، لقد نجحنا في اجتذاب مُلَّاك الخيول على الصعيدين المحلي والدولي، مُلَّاك يشاركوننا الشغف بسباقات الخيول، إذ تتنافس خيولهم في خمسة مضامير في الإمارات العربية المتحدة.

وعندما نتأمل المنطقة الواسعة المحيطة بمضمار «ميدان»، والبنية الأساسية الراقية التي نوفرها لصناعة سباقات الخيل، يصعب التصديق بأن سباقات الخيول المحترفة بدأت فقط في دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1992، ومن ثم، تم تأسيس هيئة الإمارات لسباق الخيل في عام 2006، لتصبح السلطة المنظِّمة لرياضة سباقات الخيل في الإمارات.

وتلا ذلك تنظيم الدورة الأولى لكأس دبي العالمي في عام 1996، التي فاز بها الحصان الأسطوري «سيجار».

وقد كانت هناك تحديات كثيرة في البداية، وبالعودة إلى الماضي، أظن أن الكثيرين شكّكوا بمقدرة دبي ودولة الإمارات على بناء صناعة سباقات خيل مستدامة دون رهانات، والتي تشكل شريان الحياة لسباقات الخيول في الكثير من البلدان الغربية.

واليوم نفتخر بأننا في دولة الإمارات العربية المتحدة، وإمارة دبي تحديداً، طالما تبوّأنا مكان الصدارة من حيث قيمة الجوائز العائدة لملاك الخيل، الذين يستثمرون مبالغ طائلة في تدريب خيولهم.

وباختصار، تُعتبر الإمارات العربية المتحدة مكاناً مجزياً لجني الأرباح من رياضة سباقات الخيل. وقد كان هذا عاملاً هاماً لجذب أفضل الخيول. ومع وجود هذا الكم من أجود أنواع الخيول، فمن الطبيعي أن يوجد معها أفضل أهل الخبرة والفرق الداعمة في هذا المجال.

ولا يسعُني هنا إلاّ أن أنوّه بأن جوائز ميدان المالية تتراوح بين 150,000 درهم (أي ما يعادل 40,000 دولار تقريباً)، حيث أبلغ أقصاها 10,000,000 دولار (عشرة ملايين)، وتلك الجوائز بالطبع، تسهم في تحقيق عوائد جيدة للمُلّاك.

إن غياب مراهنات سباقات الخيول التي تقام في دولة الإمارات العربية المتحدة، أمر ربما يكون غير مفهوم بالنسبة للدول التي اعتمدت على دخل المراهنات منذ أجيال عديدة.

إنّ رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لسباقات الخيل، انطلقت من منظور مختلف تماماً، ووفرت ديناميكية جديدة ومنضبطة للسباقات. ففي غياب المراهنات، استطعنا التركيز على الاستمتاع بالقدرات الرياضية العظيمة لخيولنا، والمشهد الرائع الذي يمثله السباق. ما يوفِّر ترفيهاً مناسباً للعائلات.

سينظر معظم الناس إلى هذا الأمر، معتقدين أنه هواية رجل ثري... أسرة تحب الخيول، ولديها القدرة والاستعداد على دفع المال للاستمتاع بهذه الرياضة. لكن هذا فهم خاطئ، ومن يظن أن هذا هو حافز سموِّه، فقد جانبه الصواب.

إنّ الهدف الاستراتيجي من إعادة سباقات الخيول إلى موطنها في شبه الجزيرة العربية، هو أن نقدِّم لشبابنا رياضة يمكنهم الاستمتاع بها والمشاركة فيها بشكل احترافي. ونظراً لإدراك صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم المبكر للتغييرات السريعة التي ستشهدها دولة الإمارات في نمط الحياة، فكان من المهم أن نحيي الرياضات الوطنية. والآن، بعد أن وصلت نسبة المصابين بمرض السكري في منطقة الخليج إلى أعلى المستويات في العالم (37 % بين الأطفال)، ثبتت صحة تلك المخاوف.

علاوة على ذلك، كانت هذه آلية لغرس جذور الوطنية، وأداة لترسيخ الشعور بالاعتزاز بالوطن، وبوابة الدخول إلى المحافل الدولية في الرياضات التي من الممكن الفوز بها بالاعتماد على معرفتنا.

كما أن إقامة أحداث رياضية عظيمة الشأن في دبي، كان جزءاً أساسياً من استراتيجية سموِّه للترويج السياحي، وعامل جذب أساسي. وكان من البديهي البدء بالرياضة التي كان سموِّه وإخوانه على دراية بخفاياها.

وأخيراً، ثمة نقطة هامّة جداً تتصل بالمردود الاقتصادي للسباق، إذ إن القيمة الاقتصادية المضافة التي يحققها كأس دبي العالمي، وكذلك كرنفال سباق دبي، تزيد على 400 مليون دولار أميركي سنوياً، تتوزع بين نقل الخيول، والأطقم التي ترافقها، والتأمين، والنفقات الأخرى المتفرقة، ما له من أهمية قصوى لدعم اقتصادنا في دبي ومصدر أساسي للإيرادات.

لقد حققنا نجاحات في مجال سباقات الخيول، لا يتسع المجال هنا لذكرها جميعاً. إننا ندين بها لآلاف الأشخاص الذين آمنوا برؤية سموّه لسباقات الخيول، من مُلّاك الخيل الإماراتيين الذين دعموا الرياضة عن طريق الاستثمار في الخيول، إلى المئات ممن انتقلوا إلى بلدنا للمساهمة في بناء هذه الصناعة من العدم.

إننا ماضون في نجاحاتنا، حيث تسافر أفضل خيولنا كثيراً للمشاركة في أهم السباقات في العالم. فهذه الخيول بمثابة سفراء لصناعتنا.

كما أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، يفتخر أيضاً بأن لدينا أسس صناعة سباق الخيول المهجّنة الأصيلة الخاصة بنا، مع المحافظة على أصلها وتقاليدها ومعاييرها. فلا قيمة لما لدينا، ما لم نقدّر الماضي حق قدره، ونحترمه بالشكل الذي يستحق.

ولكن كيف يبدو المستقبل؟، لطالما كانت الجودة، وليس العدد، هي الأساس في صناعة الخيول المهجّنة الأصيلة.

ستواصل دبي تقديم هذه التجربة الفريدة بجودة عالية لمشجعي السباقات، وتوفير عوائد جيدة للمُلَّاك الناجحين، الذي يستثمرون جيداً في الخيل. وستبقى مرافقنا مثالاً يحتذى به للمعايير العالمية، ونحن مصمّمون على أن تبقى سباقات الخيل عامل جذب لمنطقتنا.

إن ارتباطنا بتقاليد الخيل في صحرائنا، إنما هو جزء من نمط حياتنا وهويّتنا. وعندما نتأمَّل في مرافق «ميدان» والخيل المهجنة الأصيلة التي تتسابق على مضماره، لا يبقى لدينا أدنى شك في أن نجاحنا لم يكن وليد الصدفة.

لقد قطعنا كل هذه المسافة، لأن شغفنا للخيل متوارث عبر الأجيال، ولأن اعتزازنا بالخيل، وارتباطنا بتاريخنا العريق، متأصل في أرواحنا. إن «ميدان» وصناعة الخيول الأصيلة، ليست سوى منهجية حديثة لشغف سموِّه المتأصِّل بالخيل.

مشوارنا لم ينتهِ، وما هذه إلا البداية في مجال سباقات الخيول، كما هو الحال في الكثير من المجالات الأخرى في بلدنا. فإننا نتطلع إلى المستقبل بحماس كبير.

وخلال بضعة أيام، ستُفتح أبواب «ميدان» لاستقبال زوار كأس دبي العالمي. وسيشهد المضمار أفضل سباقات الخيول على الإطلاق، وسيشاهد آلاف الحضور، واحداً من أروع السباقات العالمية.

إن كأس دبي العالمي، هو أغلى وأغنى سباق للخيول في العالم، بلا منازع. وهو عامل جذب غير مسبوق لأفضل المواهب في هذه الصناعة حول العالم. إنه فرصة، ليس لرؤية بعض من أجمل الخيول المهجنة الأصيلة في العالم فحسب، بل لمشاهدتها وهي تتسابق بقدرة وتفوّق.

إنه الحدث الأبرز على أجندة دبي السنوية، ويحرص صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، على موافقة جدول مواعيده مع هذا الحدث، لما يمثله من رمز وقيمة.