ستحتفي دبي، مع العالم بأسره، يوم السبت باستضافتها أحد أهم الأحداث في عالم سباقات الخيول ألا وهو »كأس دبي العالمي لسباق الخيل« بدورته الثانية والعشرين، والذي يحظى سنوياً بمشاركة نخبة من أفضل الخيول من مختلف أنحاء العالم للتنافس على أرض دولة الإمارات العربية المتحدة التي اشتهرت عبر التاريخ بتراثها الغني وتقاليدها العريقة في هذا الميدان.
حيث يستقطب هذا الحدث اهتمام الآلاف من عشاق الخيول ورياضاتها الذين يحرصون على حضوره ومتابعة فعالياته من داخل الدولة وخارجها؛ إلا أن الكثيرين أيضاً ربما يتطلعون لمعرفة المزيد حول سباقات الخيول، معلومات بسيطة من شأنها أن تضيف أبعاداً جديدة إلى تجربتهم مع السباق.
فغالباً ما تكون لدى البعض أسئلة سهلة تبحث عن إجابات قد لا تتوفر في الكتب والتقارير المتخصصة التي غالباً ما تركز على الأصول والنظريات أكثر من اهتمامها بشرح ماهية هذه الرياضة الرائعة للمبتدئين. لذلك، أردت أن أشارككم بعض أفكاري عبر سلسلةٍ من المقالات حتى انعقاد كأس دبي العالمي، أملاً في توضيح جوانب مهمة لهذه الرياضة وأسرارها لشريحةٍ أكبر من المهتمين.
يعرف خيل السباق المخضرم تماماً ما يتطلبه يوم السباق. فتبدو الإثارة واضحة عليه، ويبدو أنه يعرف بغريزته مغزى السباق، كما يبدو جلياً عشق معظم خيول الثوروبريد المهجنة الأصيلة لأن تكون في الصدارة. لكن لابد لنا أن ندرك أن الخيول المتألقة التي نراها تهرول إلى بوابات الانطلاق قبل كل سباق ربما تكون قد أمضت شهوراً في الإعداد والتحضير، وخاصة للسباقات الكبرى.
ويبدو أن أفضل المدربين يعرفون بحدسهم ما يحتاجه الخيل ليقدم أفضل أداء يوم السباق. إنه علم وفن في آن واحد. ويقوم كل سائس بتطبيق برنامج تدريبي خاص لكل خيل. ومحور التدريب هو بناء اللياقة البدنية بكل عناية؛ فالخيول قد تكون كبيرة وقوية.
لكن تغذية روح الأداء الرياضي الفائق لديها توجب على المدربين السير بتوازن على خيط مشدود ودقيق كما يقال، إذ إن التدريب المفرط قد يكون خطراً حاضراً على الدوام ولابد للمدربين من توظيف خبراتهم لوضع نظام متسق يحقق التحسن والارتقاء.
فالأثر السلبي للتدريب المفرط للخيول يماثل الأثر ذاته بالنسبة للرياضيين من البشر، إذ قد يؤدي لحدوث إصابات أو حالات إجهاد لدى الجواد، في حين لا يصل الخيل إلى مستوى أداء ثابت حيث لا يتسنّى له أن يتعافى بما يكفي بين فترات التمرين.
الخيل الذي يبلغ ذروة مستوى أدائه بشكل أسرع من اللازم لا يستطيع غالباً الحفاظ على لياقته وطاقته حتى يوم السباق. وهناك الأنظمة الغذائية التي تم تركيبها خصيصاً لتلبية الاحتياجات التي تساهم في مدى تحسين أداء الخيول لتصل إلى قمة لياقتها لخوض السباق المنشود. وتقوم بعض مصانع الأعلاف بتسويق أعلاف خاصة للمنافسات الرياضية، ذات تركيبة تلبي متطلبات الطاقة الفائقة لدى خيول السباق.
وقد يستخدم المدربون هذه الأعلاف، لكنهم في الغالب يضيفون إليها مكملات غذائية خاصة بهم.
وليس بالضرورة أن تجري التحضيرات دوماً كما هو مخطط لها. فخيول السباق، مثلها مثل الرياضيين، قد تتعرض إلى أوقات تفتر فيها همتها فتحتاج إلى الراحة وربما الترفيه.
فضلاً عن الإصابات التي تتطلب رعاية وعناية. وقد تكون هذه العناية عبارة عن رعاية بيطرية شاملة أو تدليك لمدة نصف ساعة يزيل التوتر من العضلات ويريحها. وهناك بعض إجراءات الرعاية التي تقدم للخيل بشكل استباقي تماماً، ويتم تصميمها بهدف إبقائه مطواعاً حسن الأداء.
ويتبع أفضل المدربين نظاماً دقيقاً يضمن عدم تلقي خيولهم أية مواد محظورة بموجب قوانين السباق، إذ قد تقوم السلطات المعنية بسحب عينات من الخيول لاختبارها في أي وقت.
ويعتمد كبار القائمين على هذه الصناعة على موظفين يتمتعون بكفاءة عالية من المدربين ذوي المعرفة والدراية التي تمكنهم من اكتشاف الأمور المثيرة للقلق والإبلاغ عنها. لكن سواء كانت الجهة المشغلة كبيرة أو صغيرة، فإن جواد السباق يتطلب عادة ما بين 3 5 أشخاص للعناية به، ما يجعل خيول السباق أكثر الحيوانات التي توفِّر فرص عمل للإنسان على مر التاريخ وحتى الآن.
وعلى صعيد آخر، تتطلب الفعاليات الكبرى مثل كرنفال »كأس دبي العالمي« نقل الخيول من مكان إلى آخر، وليست هذه بالمهمة السهلة؛ فالخيول تألف حياتها المعتادة، وقد يؤدي سفرها إلى تعرضها لأجواء جديدة وغريبة عليها مما يولِّد لديها شيئاً من الضغط النفسي.
لذلك غالباً ما يبذل المدربون ومساعدوهم جهوداً استثنائية لضمان المحافظة على سعادة خيولهم وراحتها ولياقتها عند نقلها لخارج البلاد. فتسافر مع الخيل الوجوه التي ألفها، وذلك أحياناً قبل أسابيع أو أشهر من موعد السباق، كما يصطحبون معهم غالباً كمية من العلف الذي اعتاد عليه الخيل، ويحرصون على المحافظة على الروتين الذي دأب عليه قدر الإمكان.
ومع اقتراب موعد يوم السباق، يبدأ المدرب بتخفيف عبء الجهد عن الخيل لضمان راحته واستعداده لليوم الكبير في المضمار.
وهناك مصطلحات خاصة بمنافسات وسباقات الخيول قد تلتبس على من لا علاقة له بهذه الصناعة. كما أن هناك تجهيزات متخصِّصة لهذه الرياضة. فسروج السباق، على سبيل المثال، أصغر وأخف بكثير من السروج التقليدية. وكذلك فإن حدوات خيول السباق تصنع عادة من معادن خفيفة الوزن. والحقيقة أن خفة الوزن عامل يؤخذ في الحسبان في تصميم أو اختيار معظم عدة الخيل.
ويعمل المدربون على تنظيم جداول السباق لخيولهم على شكل حملة. وسرعان ما يدركون المسافات التي يتميز بها كل خيل، فبعض الخيول عداءة سريعة لمسافات قصيرة، فأفضل أدائها يكون في المسافات التي لا تتجاوز 1400 متر، بينما تتمتع خيول أخرى بقدرتها على الاحتمال، فيكون أداؤها أفضل في السباقات التي تزيد مسافتها على 1600 متر.
ويشرف على السباق مجموعة كبيرة من المسؤولين ذوي المهام المختلفة، ولعل أبرزهم تقليدياً مراقب الأوزان الذي يقرر الوزن الذي ينبغي أن يحمله الخيل في السباق، بما في ذلك وزن الفارس والسرج وحتى السوط.
في بعض أنواع السباق، تحمل الخيول جميعها نفس الوزن، وهو عادة ما يقارب 53 كغ، مما يجعل المنافسة متوازنة عملياً، لأن الفرسان وإن كانوا خفيفي الوزن ليسوا جميعاً بذات الوزن. وتمنح استثناءات بالنسبة للأحصنة والأفراس الشابة في بعض الحالات.
ومع ذلك، ففي سباقات العدل، قد تحمل الخيول الفائزة أوزاناً أكبر بكثير، فمن الشائع أن تجد أوزاناً تتراوح بين 49 كغ و60 كغ في بعض السباقات حول العالم، وغني عن الذكر أن المُلَّاك والمدربين قد لا يتفقون دوماً على مقدار الوزن الذي ينبغي أن يحمله الجواد في السباق.
تهدف الحملات التدريبية للخيول غالباً للاستعداد لسباق كبير، مع اعتبار السباقات الصغيرة جزءاً من عملية الاستعداد. ومع اقتراب موعد السباق، يتحول اهتمام المدربين إلى وضع الاستراتيجية المناسبة؛ فبعض الخيول تُفضِّل العدو منذ البداية، بينما تختار أخرى أن تتريث في موضع متأخر قبل الانطلاق، وبعضها يجيد الانطلاق كالنسر في نهاية السباق بينما تتميز أخرى ببقائها في المقدمة محاولة إنهاك منافسيها.
وعادة، يناقش المدربون استراتيجية السباق مع الفارس، ولكن مع وجود أكثر من عشرة جياد تركض كالموج الهادر على أرض المضمار بسرعة تقترب من 60 كم في الساعة، لا يتم تنفيذ هذه الخطط بنجاح دوماً. فالفارس الذي يعطى التعليمات بالتوجه للمقدمة والبقاء فيها قد يجد نفسه محاصراً تطوقه الخيول من حوله فلا يجد ثغرة يتقدم منها.
وبالمقابل، فإن الجواد الذي يفضل البقاء في الخلف قد يندفع تدريجياً عن غير قصد إلى المقدمة، وخاصة في السباقات البطيئة.
ومع الأهمية الكبيرة التي تلعبها موهبة الجواد ومهارة فريق التدريب، يبقى هناك عنصر الحظ، وهذه هي طبيعة سباقات الخيل. وعندما تتقدم الخيول وفرسانها إلى مضمار السباق، يتراجع المالك والمدرب لأخذ دور المشاهد، متسائلين، هل هذا اليوم هو يوم الفوز لهم؟
وهذه من السمات الآسرة في السباق. فقد يتواجه جواد ينحدر من سلالة عريقة لا تضاهى وقيمة تفوق ملايين الدولارات مع جواد من سلالة أدنى بكثير لكنه يتمتع بموهبة فطرية وولع بالسرعة. وعندما تفتح بوابات الانطلاق، يبدو العالم لعشاق السباق وكأنه قد حبس أنفاسه. فتلك السرعة والقوة الهادرة وإثارة السباق تستأثر بكل شيء لبضع دقائق من الروعة الآسرة.
بعد ذلك، تتنحى إثارة السباق جانباً لتفسح المجال لطيف من المشاعر المصاحبة لخروج الخيول وهي تتصبب عرقاً من مضمار السباق. فتغمر مشاعر السعادة والبهجة الفائز بالسباق، يتمايل فرحاً بما حققه من إنجاز.
كما يمكن أن ترى ملامح الفرح على وجوه أصحاب الخيول التي حلت في المراتب التالية. في حين تعلو محيا بقية المشاركين مسحة أسف لخطة سباق لم يحالفها النجاح، أو على أداء كان دون توقعاتهم.
لكن لا شيء يمكن أن يمحو مشاعر السعادة لدى المالك وهو يرى جواده يغذ السير منطلقاً لتحقيق الفوز، ولا يهم كثيراً إن كان المالك يشاهد ذلك في مضمار عالمي مرموق في أشهر مواقع السباق، أم في لقاء متواضع على مضمار ريفي هادئ وجوائز محدودة، فالمشاعر تبقى نفسها دون تغيير.