طور المسلمون روابط وثيقة بالكتب خلال العصور الوسطى، ما يعني أنهم أحبوا أيضاً جمع الكتب وتأسيس المكتبات.
في تلك الأيام الخوالي، كانت هناك مكتبات عامة وخاصة، مع شبكة واسعة من المكتبات العامة في مساجد معظم المدن الكبرى، فضلاً عن مجموعات خاصة مرموقة اجتذبت العلماء من شتى أنحاء العالم الإسلامي. وكانت مقتنياتها من الكتب أو المخطوطات بأحجام مختلفة وتضم أوراقاً بجودة عالية مع وجود كتابة على كلا الجانبين، وتجليد بأغلفة جلدية.
وكانت مجموعات الكتب العامة منتشرة على نطاق واسع بحيث كان من المستحيل إيجاد مسجد، مكان تعلم، من دون وجود مجموعة من الكتب فيه. وقبل أن يدمر المغول بغداد في عام 1258م، كانت هناك 36 مكتبة وأكثر من مئة تاجر كتب، وبعضهم كان أيضاً يعمل كناشر للكتب، فيوظف عدداً كبيراً من الناسخين اليدويين.
وكنت هناك مكتبات مماثلة في القاهرة وحلب وبلاد ما بين الرافدين، وشمال أفريقيا، وفي المدن الرئيسية لإيران وآسيا الوسطى
وكانت مكتبات المساجد تدعى «بيوت الكتب» وتشكل محور النشاط الفكري. وفي تلك المكتبات، دون الكتاب والعلماء نتائج دراساتهم لجمهور مختلط من الشباب والعلماء وهواة المطالعة.
وكانت لحلب في سوريا ربما أكبر وأقدم مكتبة مسجد، في الجامع الأموي الكبير في المدينة، مع مجموعة من 10 آلاف مجلد. وقيل إنها كانت من ميراث الحاكم الأشهر في المدينة سيف الدولة الحمداني. كانت تلك المكتبة الأقدم والأكبر في حجمها، لكن مكتبة مجمع كلية مسجد الزيتونة في تونس كانت الأكثر ثراء في الكتب على الإطلاق.
وتضم عشرات ألوف الكتب، ويقال إن معظم الحكام من سلالة الحفصية تنافسوا مع بعضهم بعضا على الامتياز الذي يصاحب الحفاظ على المكتبة. وفي وقت من الأوقات، تجاوزت مجموعة المكتبة 100 ألف مجلد.
وقد عاد الفيلسوف المسلم من القرن الثامن ورجل الأدب، الجاحظ، إلى موطن رأسه في البصرة بعد قضاء أكثر من 50 عاماً في بغداد يدرس ويدون حوالي 200 كتاب، تضمنت «كتب الحيوان» المؤلف من سبع مجلدات، ويحوي ملاحظاته عن التنظيم الاجتماعي للنمل، والتواصل بين الحيوانات، وتأثيرات النظام الغذائي والبيئة.
وقد ألف كتباً أخرى، وتوفي في مكتبته الخاصة عام 868 عن عمر يناهز الـ 92 عاماً، عندما سقطت مجموعة من الكتب عليه.
وكان من التقليد عندما يتوفى محبو الكتب أن يتم التبرع بمخطوطاتهم المجمعة، التي تصل أحيانا إلى ألوف المجلدات، إلى مكتبات المساجد ليستمتع بقراءتها الجميع.
يقول المؤرخ الجبوري إن نايلة خاتون، وهي أرملة ثرية من أصل تركي، أسست مسجداً تخليداً لذكرى زوجها المتوفى، مراد أفندي، وأتبعته بمدرسة ومكتبة.
ويمكن للمكتبات أن تكون مناسبة عظمى. ففي شيراز بإيران، وصف المقدسي المؤرخ من القرون الوسطى تلك المجمعات من القرن العاشر بأنها مبان محاطة بحدائق مع بحيرات ومجار مائية. بعض المكتبات كتلك الموجودة في قرطبة والقاهرة وشيراز كانت في مبان منفصلة عن المسجد.
في عام 1050، كانت مجموعة كتب مكتبة الأزهر في القاهرة تضم أكثر من 120 ألف كتاب مسجل في فهرس من 60 مجلداً تحوي 3500 صفحة.
وكان يجري تعيين أمناء المكتبات لتولي زمام المسؤولية عن الكتب، وكان منصباً مشرفاً، يخصص للأكثر معرفة وعلماً. واعتبرت إدارة المكتبات خلال سلالة الموحدين في شمال أفريقيا في القرنين الثاني عشر والثالث عشر واحداً من أكثر المناصب المرموقة في الدولة.