إن إسعاد الناس قيمة كبرى وغاية من أنبل الغايات، يمر عبر مراحل من المغالبة والمجاهدة والبذل، ولا يمكن أن يتم عبر القول فحسب، لكنه ينعكس في خطط وبرامج عمل، ومراجعات، وتقييم، وتقويم، ثم فسحة من الوقت تتاح لذلك كله حتى يستطيع المستهدفون منها الشعور بنتائجها، وهو ليس بالأمر الهين الذي يحدث بين عشية وضحاها.

كما أنه لا يتم عبر مرحلة واحدة، لكنه يؤسس على درجات كل واحدة تسلم إلى الثانية، وهو الأمر الذي استشرفته القيادة الرشيدة منذ اللحظة الأولى للسير في طريق البناء، حين حددت الغاية النهائية لكل ما يتم من عمل جبار لا يطيقه إلا الرجال الأشداء على أرض الإمارات، حين كانت النظرة واضحة من أن هدف من يسلم الله لهم مقاليد أمور الناس هو تمكينهم وليس التمكن منهم.

وأن السعادة الحقيقية ليس فيما نملكه، فقد تجد من يملك لكنه لا يزال يبحث عن السعادة، التي هي كيفية تفكيرك فيما تملكه ونظرتك إليه، كما قال غير مرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي سار بشعبه بخطوات متئدة بدءاً من التميز الذي انطلق كسهم أخضر ينشر البشر في ربوع الوطن ويحفز أبناءه، سهم يفتح للخير سبلاً وللعمل ميادين، يوحد الجهود ويعززها عبر منظومة واضحة ومحددة، انطلق سهم التميز، الذي لم يستطع أن يقف في طريقه أحد.

ليكشف لنا كل يوم عن طاقات وقدرات كامنة في أبناء هذا الوطن توحدت في صورة أبهرت بعملها المتفائل، ثم كان ترسيخ قيمة الهدف من هذا التميز وهو الاستمرار في طريق النهوض ورضا أبنائه، ذلك الرضا الذي لم يلب طموح القيادة التي ترتقي دائما أصعب المراقي، فكان النداء أن السعادة بعد الرضا.

من هنا كان نشر فلسفة السعادة وثقافتها ومفهومها الحقيقي وسبل الوصول إلى مراحلها المتقدمة عاما بعد عام، ذلك الفكر الذي جعل الإمارات بقيادتها وشعبها الأسعد عربياً، بعد أن حققت المركز الأول عربياً والـ 21 عالمياً في مؤشر السعادة، بحسب تقرير السعادة العالمي لعام 2017، الصادر عن معهد الأرض في جامعة كولومبيا بإشراف الأمم المتحدة، وبالتزامن مع احتفال العالم باليوم الدولي للسعادة، ووفقاً للتقرير..

فقد سجلت الإمارات المركز الـ 12 عالمياً بعد أن كانت سجلت المركز الـ 15 العام الماضي على صعيد سعادة مواطنيها، متقدمة على العديد من دول العالم الرائدة مثل النمسا، والولايات المتحدة الأميركية، وألمانيا، وبلجيكا، والمملكة المتحدة، وإيرلندا.

والحق إن تصدر الإمارات عربياً لمؤشر السعادة يستحق التوقف عند ملمحين أساسيين؛ أولهما أنها ليست حالة إنسانية عاطفية بقدر ما هي مؤشر دال على مسيرة تطور، لا تتوقف ولا تعرف لها محطة نهاية في البناء والتطوير، جعلت من تجويد حياة الفرد غاية، ومن سعادته هدفاً.

مسيرة حولت الأحلام إلى واقع، وما يراه البعض محض أمنيات حقائق ماثلة أمامهم، إنها ليست فقط مؤشرات لإسعاد الفرد بل هي شهادات على صحة السير ورشد المسيرة، وأعظم الأعمال هي التي يلمس الفرد نتائجها كل يوم على حياته وحياة أبنائه بعيداً عن تعقيد الأرقام، ومعادلات الاقتصاد، ونظريات السياسة ومصطلحاتها المعقدة، وهنا يحدث التعاضد الذي لا ينفصم بين القائد وشعبه، وهذه هي المعادلة المعجزة التي تحققت على أرض الإمارات.

ثانياً أن وراء هذه العمل الضخم والإنجاز الكبير فكراً واضحاً ورؤية صافية توضح الهدف منه ومناهج النظر إليه والتعامل معه، فالسعادة لا توهب إلينا من الأشياء التي نملكها لكن بمعانيها لدينا ونظرتنا إليها، والشاهد ما قاله إيليا أبو ماضي «كن جميلاً ترى الوجود جميلاً».

أضف إلى ذلك أن سعادة الإمارات وتصدرها لمراتبها الأولى إقليمياً وعالمياً ليست لأبناء الإمارات والمقيمين على أرضها فحسب، لكنها أصبحت قوة دافعة وملهمة للشعوب العربية، التي يبحث شبابها عن طاقة نور بعد أن كاد الليل يسدل أستاره على بقاع عدة، وبعد أن كاد يخفت ويخبو ويتخاذل، وطاقة أمل بعد أن فعل اليأس أو كاد أن يفعل الأفاعيل في نفوس شباب أمتنا الذي يمثلون ثلثي الشريحة العمرية من سكانه.

فضلاً عن ذلك إنها رسالة للعالم من شرقه إلى غربه أن أرض العرب من المحيط إلى الخليج بشعبها وقادتها ستظل حية قادرة على صنع المعجزات، لأنها أمة ذات حضارة تضرب بجذورها في أعماق الأرض، وتعانق فروعها عنان السماء لتسعد أبناء البشرية وتنير الدنيا، كما شهد التاريخ على مسيرة قد خلت يؤكدها الفعل الحاضر.