يعكس الاغتراب ضآلة علاقات الشخص الاجتماعية من حيث الشعور بالاندماج أو بوجود القيم المشتركة بينه وبين محيطه الاجتماعي، وهو مفهوم يعني حالة شعور الشخص بالغربة أو العزلة بين الأفراد، في بيئة العمل والمجتمع.
فالفرد لا ينغمس في العلاقات الشخصية أو في أي من المجالات العامة مثل الشؤون العامة والعالمية ويكون لديه الشعور بالعجز وأنه لا يملك هدفاً، لأن الشخص لا يمكنه السيطرة على مصيره ولكن يتم تحديده من قبل عوامل خارجية.
ويُستخدَم المفهوم في عدة مجالات من بينها الاغتراب الثقافي ليشير إلى حالة الشخص النفسية وإلى تكوينه الثقافي بما يمس شخصية أمته الثقافية ومكوناتها.
في إحدى المحاضرات تساءل أحد الطلبة الذين يدرسون الإعلام، ماذا يعني مصطلح الربيع العربي، فإذا كان الطالب لا يعرف حدثاً تغطيه وسائل الإعلام كل يوم ونعيشه مراراته منذ سنوات ست فكيف ستعني له الأحداث التاريخية الفارقة في حياة أمتنا العربية مثل اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور ونكبة 48 ونكسة 67 واتفاقية كامب دافيد؟
فهل يعيش شبابنا حالة من الاغتراب الثقافي؟ في بعض الأحيان يقود الاغتراب إلى أن ينأى الفرد عن طبيعته الخاصة ويندرج تحت تأثير قوى أخرى خارجة عن نفسه، إذ ينغمس بثقافة خارجية دونما وعي بثقافته الوطنية.
لقد أحسست بمدى اغتراب شبابنا ونأيهم عما يجري في وطنهم العربي وجهلهم لتاريخ وطنهم العربي وجغرافيته ناهيك عن إتقانهم للغتهم القومية، وقد آلمني أن هؤلاء الطلبة يدرسون الإعلام، فبأي ثقافة عامة سيتخرجون ليقودوا الرأي العام وهم لا يتابعون ما يجري في أوطانهم، ولا يعرفون العلامات التاريخية الفارقة في حياة أمتهم العربية.
وهذا الاغتراب منشؤه في ظل العولمة لعاملين رئيسين: أولهما العملية التعليمية، فدور المؤسسات التعليمية يجب ألا يكون محصوراً في تشكيل القوى العاملة اللازمة لسوق العمل .
وإنما يجب أن تكون قوة موجهة لأبنائنا فكرياً وتربوياً وثقافياً، عليها أن تعمل على تنشئة الأفراد، الذين ينتمون الى المجتمع وهم يعرفون تاريخه ويستوعبون ثقافته ويرتبطون بلغتهم ويندمجون فيه ويتعاملون فيه على أسس احترام الذات واحترام الآخرين والثقة بالنفس، والوعي بالذات القومية ومتطلباتها.
وفي مجال التعليم والتربية فرضت العولمة وجودها في الوطن العربي من خلال ما نشهده من نمو في انتشار الجامعات الأجنبية والمدارس ذات المناهج الأميركية والانجليزية التي تعزز الاغتراب الثقافي، ومع وجود مثل هذه الجامعات والمدارس تراجع الاهتمام باللغة العربية لحساب اللغة الإنجليزية .
وتراجع الاهتمام بالمواد الفكرية والثقافية مثل الدراسات المعنية بالثقافة الوطنية والتاريخ العربي والقضايا الاجتماعية والأدب العربي التي تبني شخصية الإنسان وتعزز انتماءه لثقافة أمته. فالتعليم هو القوى الكامنة التي تعمل على النمو العقلي والبدني والاجتماعي وفرض أنماط القيم الإيجابية المقبولة اجتماعيا لتشكيل شخصية الأطفال والشباب.
وثانيهما: وسائل الاتصال القديمة والجديدة التي تحيط به وتغمره وهو يتعامل معها. ففي عالم مفتوح الفضاءات أصبح تدفق المعلومات وتداولها. تثير تساؤلات حول الخصوصية الثقافية، وحماية الثقافة الوطنية والتراث. وتلعب الفضائيات العربية أدواراً سلبية في إطار ذلك كله وفي تعزيزها لاغتراب الشباب.
إن وسائل التواصل الاجتماعي تشكل كذلك آلية مساعدة في الاغتراب الثقافي، حيث يعيش الشباب لعدة ساعات يومياً مع واقع افتراضي، ويعيشون مع عوالم ثقافية بعيدة عن ثقافاتهم وصاحب ذلك سلوك يتمثل بقلة النشاط الفردي البدني والاجتماعي، والانطوائية والغربة الثقافية، وتعزيز الانسلاب الثقافي مما قد يقود على المدى البعيد الى التدمير الثقافي للأجيال الصاعدة. ومن الضروري الآن مراجعة ما يمارس في الإطار التعليمي والإعلامي لإدراك تلك المخاطر التي تنتج عنهما في خلق وتعزيز الاغتراب الثقافي لشبابنا.