ما أفظعه من مشهد، ذلك الطفل المبتسم في كنيسة الإسكندرية، ابتسامةٌ لم تدم، إذ تسلل إرهابي بين الجموع، مخترقاً الصفوف والحواجز، فكسرت اللحظة بانفجارٍ مدوٍ، ذهب على إثره العشرات من الضحايا الأبرياء، هذا الحادث الإرهابي يحدث في كل مكان بالتأكيد، مهما كانت الدول محصنة، أو الأمن عالٍ، فالحدث الإرهابي متوقع دائماً، بأي مكان بالعالم، لأنه الخطر الداهم الذي يهدد الجميع، ضرب بأرقى العواصم حضارة وأمناً، وأقلها تجهيزاً وتحصيناً وقدرة، لكن القصة ليست المسائل الأمنية فقط، تلك التي يعلم دهاليزها خبراء الأمن والمتخصصون بأمن المعلومة، والأجهزة الاستخبارية، لكن الفكرة بطرق الإدانة التي حدثت عقب الحادث المدوي الأليم.

لم يُفرق بعض المتطرفين بين خصومتهم مع النظام المصري، وبين الدم المصري البريء، هذا إن كانوا فعلاً يعتبرون أنفسهم معارضين «سلميين»، بينما التصريحات تشي بتشفٍ من الحادث، وتضعه بسياق الاقتصاص من النظام والشعب معاً، وأكبر براهين ذلك، تصريح المرشد الروحي للإخوان المسلمين، يوسف القرضاوي، الذي قال بدمٍ بارد: «إن التفجيرات في مصر لم تحدث إلا في عهود الاستبداد، لم تعرف مصر طوال تاريخها تفجيرات تستهدف جزءاً من المواطنين، إلا في عهود الاستبداد، التي لا توفر الأمن ولا الحرية، ولا الحياة الكريمة».

بيان جماعة الإخوان المسلمين، لم يحد قيد أنملة عن تغريدات القرضاوي، بل كتب بياناً هو امتداد وتنويع على التصريحات القرضاوية السياسية، بيان وَقعَهُ أبو عاصم، وقال فيه: «ما جرى اليوم من تفجيرات داخل كنيستي مار جرجس، بمدينة طنطا، والمرقسية بالإسكندرية، راح ضحيتهما العشرات، يؤكد أن الأنظمة الفاشية تتخذ منهاجاً موحداً في طريق صراعها نحو البقاء الجبري، بصناعة عدوٍّ وهمي اسمه الإرهاب، لتغطي على فشلها وعجزها، وتستجلب به تعاطف البسطاء معها، وما حادث تفجير كنيسة القديسين في عهد المخلوع مبارك ببعيد، إن مليشيات الانقلاب العسكري تتلاعب بأرواح الأبرياء، وتستهين بدماء المواطنين، وتوظفها لخدمة مخططاتها الخبيثة، التي تستهدف تمزيق النسيج الوطني الواحد، وإن التصريحات العاجلة التي تصدرها سلطات الانقلاب، لتهدئة الرأي العام، وتلقي بها التهم جزافاً بلا دليل، ويتبين كذبها بعد حين، لن تسهم أبداً، ولا الحملات العشوائية المجرمة ضد المعارضين، في كشف الحقائق، أو منع الجرائم، أو تحقيق الأمن للمواطنين».

إدانة بنصف سطر، ومن ثم إسهاب بالكلام السياسي، والمناكفة الأيديولوجية، والاستغلال اللحظي لفرصة قد تصنع لهم بعض الحضور، كما يتمنّون. المشكلة هنا إنسانية بالفعل، إذ القتلى من المصريين، وإذا كان أولئك المترددون بالإدانة أو أصحاب أنصاف مقولات الشجب، يعتبرون أنفسهم من صميم ذلك المجتمع، فلماذا التراخي المفجع أمام جرائم تنظيم داعش؟.

البيانات السياسية لا تكون حين الأزمات التي تلم بالأمم والشعوب، إلا إذا كانت الجماعة (المصنفة إرهابياً بالعديد من دول العالم)، تريد أن تُحَسّن من أشكال الحضور السياسي والمجتمعي داخل مصر، عبر شلالات الدماء، وهو من كواشف الخلل الأخلاقي لدى جماعة الإخوان المسلمين.

الواجبات الدينية والوطنية والأخلاقية، تحتم على الإخوان المسلمين الاكتفاء فقط بالإدانة لحظة التفجير، وعدم استغلال لحظات حزن المجتمع لتمرير المشاريع السياسية، وإلا، فإن الإدانة التي خصصوا لها سطراً من عشرات الأسطر، أشبه ما تكون بالتبرير، وهذه هي جماعة «ندين التفجير، ولكن».

لم تكن طريقة الإدانة هذه صدمةً لمن خبر الجماعة وعرفها، إذ مارست الأمر نفسه بعد تفجيرات 11 سبتمبر، والدار البيضاء، وتفجيرات الرياض والخبر، بل وداهنت حتى الحوثيين المعتدين، الذين يطلقون الصواريخ على المدنيين، وعلى الكعبة في بيت الله الحرام.

إن استغلال الفرص الدامية، لإجراء قصاص سياسي، أمر منافٍ للأخلاق، لأن الضحية، ليس النظام الذي تعاديه، بل أخوك في الوطن الذي التهمته نيران الإرهاب، ذلك الذي هددتم به في رابعة.

هل فوجئنا بذلك؟!... حقيقةً لا، فهذه هي جماعة «اللواكن»!