مستقل وبراغماتي ومن تيار الوسط السياسي وأطلسي وعالمي: كلها كلمات استخدمت لوصف إيمانويل ماكرون البالغ من العمر 39 عاماً، الذي قد يصبح الرئيس المقبل لفرنسا، بعد الدورة الثانية للانتخابات التي ستجري في السابع من مايو ضد المرشحة مارين لوبان.

وفاز ماكرون في أول دورة للانتخابات الرئاسية مؤخراً، وحصل على 23.9 في المئة من الأصوات. وتقدمت لوبان في الدورة أيضا بنحو 21.4 في المئة. وبينما يعتبر ماكرون وهو من مؤيدي السوق الحرة على نحو كبير أقوى في الواجهة الاقتصادية مقارنة بمارين لوبان المؤيدة لفكرة الدولة التي تتدخل في شؤون الأفراد على نحو كبير جداً، فإن مواقفه بشأن الهجرة والتكامل تثير القلق على نحو كبير جداً.

وهناك مشكلة أمنية مقلقة في فرنسا، وهي أن الهجمات الإرهابية أدت إلى مصرع مئات الأشخاص خلال السنوات القليلة الماضية. وأن الوضع أسوأ من الفترة التي قررت فيها لوبان الانتقال إلى باريس قبل عقد من الزمن. ومؤخراً فقط، أجريت لقاء على إحدى القنوات التلفزيونية في استوديو في شارع «الشانزلزيه». وبعد ساعات فقط فتح إرهابي متطرف النار على سيارة للشرطة، ما أسفر عن مقتل ضابط وإصابة اثنين آخرين.

وبحسب الاستطلاعات التي أجراها المعهد الملكي للشؤون الدولية «تشاتام هاوس»، طالب 61 في المئة من الفرنسيين بتوقف كل الهجرات المستقبلية من داعش، بينما اعتبر 11 في المئة من الفرنسيين فقط أن للهجرة تأثيراً إيجابياً على بلادهم.

وركزت لوبان، رئيسة الجبهة الوطنية حملتها على الهجرة والسيادة والهوية الوطنية، وهذه لا تبدو كافية؛ فقد أظهرت معظم استطلاعات الرأي أن الفرنسيين مكترثون بصورة أكبر بحالة البلاد الاقتصادية ومشكلات البطالة.

وللأسف فإن هذه الانتخابات تجبر الناخبين على الاختيار بين العديد من المشكلات. (المؤسسة مقابل مواجهتها). وتراهن لوبان على التركيز على الهجرة المقيدة، وتخاطر بفقدان المنصة الاقتصادية الخاصة بالدولة التي تتدخل في شؤون الفرد. ماكرون يتجه نحو سوق حرة أكثر حداثة، إلا أن لديه موقفاً مقلقاً من الهجرة.

ويريد ربط المساعدات الإنمائية بقبول البلدان للمبعدين، الذين يفشلون في التأهل للإقامة في الاتحاد الأوروبي. وقال ماكرون في إحدى المقابلات إنه ضد المحاصصة، واصفا إياها بأنها من الأمور «المستحيل السيطرة عليها»، وعلى ما يبدو لا يدرك أن بلدان مثل كندا قد أدارت المحاصصة على ما يرام.

أضاف: «على عكس ما يقوله بعضهم اليوم، نحن لا نواجه موجة من الهجرة»! عفوا، فرنسا بالتأكيد لديها مشكلة هجرة. هل لدى ماكرون مشكلة في الرؤية؟ إنه يعيد تعريف المشكلة باعتبارها تعنى بالتكامل، قائلاً: «عندما نعلم كيف نتكامل معهم لتدريبهم، يعيد النساء والرجال تجديد مجتمعنا، ويمدونه زخماً جديداً ودوافع جديدة للابتكار».

لماذا ألح ماكرون على مستوى منخفض من الهجرة إلى فرنسا؟ لا يمكن أن تكون هناك دولة تتدخل في شؤون أفرادها وبحدود مفتوحة في الوقت عينه. ويجب أن يكون نوع المهاجرين المسموح بهم إلى فرنسا غير راغبين في أخذ سنت واحد من الحكومة في مجال المساعدة الاجتماعية أو التدريب أو التعليم. ويجب أن يتكلموا الفرنسية بطلاقة، وأن يكونوا جاهزين للعمل والمساهمة في اللحظة التي يضعون فيها أقدامهم على الأرض الفرنسية. هل تريدون الابتكار؟ استوردوه. ضعوا حصة محددة لرواد الأعمال والمبتكرين والعاملين لحسابهم الخاص من الذين يريدون أن يأتوا إلى فرنسا في موضع مرموق.

ماكرون، أنت تخدع نفسك إذا كنت تعتقد أن معظم المهاجرين سيستوعبون الأمر بسرعة، والشكر في ذلك يعود إلى دافعي الضرائب. وأنت تبدو مثل رجل بمعايير عالية، وبالتالي لماذا ليس لديك رغبة بفرض ذلك على المهاجرين لصالح التماسك الاجتماعي والأمن في فرنسا؟ ومن الغريب أن أحداً مثل ماكرون الذي وصل إلى مراكز عالية من خلال العمل الشاق والمثابرة يرفض من الآخرين فعل الأمر ذاته. شروط الدخول ليست غير إنسانية أو قاسية، فهذه وسائل للوقاية.