الكذبة التي كانت تقال لنا عندما كنا صغاراً هي أن نهاية الحرية الأميركية قد تأتي بسبب الحق السياسي، وقد يأخذ المحافظون حقنا في مخاطبة عقولنا، فضلا عن استخدام قوة الحكومة وإسكات المعارضة، وقد يخيف هذا الحق المعلمين والأساتذة ويكره الشباب.

ومن ثم فإن وجود الجامعات في الواجهة، ومع السيطرة على جهاز الدولة و(التعليم والبيروقراطية)، فإن اليمين قد يسيطر على من كانوا يعرفوا يوماً بأنهم أناس أحرار.

وقد تعلـّم بعضنا هذه المسألة في المدارس، وآخرون من الذين لم يكونوا مهتمين بقراءة الكتب، تمت تغذيتهم بنماذج كرتونية وسينمائية لا نهاية لها في الأخبار والبرامج التلفزيونية والأفلام، وكان الخيال العلمي هو أكثر الأمور المسلية.

ولأن المحافظين اليوم ليسوا هم الذين جعلوا الشباب يخافون من الأفكار التي تتحداهم، فإنهم لم ُيخجلوا الناس ولم يسكتوهم بأفكارهم، ولم يرسلوا «البلطجية» إلى الحرم الجامعي لاستهداف الذين يريدون التحدث عن هذا الأمر، فاليسار فعل كل ذلك.

الأمر واضح وضوح الشمس. الغوغائيون هم من قتلوا حرية الكلام في الجامعات الأميركية. و«البلطجية» أنفسهم دعوا لمواجهة الفاشيين، وضربوا الناس وأخافوهم وحطموا الأشياء وأضرموا الحرائق، وهذه ليست مناهضة للفاشية. هذا ما يفعله الفاشيون.

بعضهم يرتدي الأقنعة لتغطية وجهه، أو لإخفاء الأوشحة. الأمر كله يعني التخويف على الصعيد الوطني، فضلا عن الغضب والعنف. وهذا فعل فاشي من قبل اليسار السياسي، وهناك الكثير من الليبراليين والصحافيين والمراقبين وكوميديي التلفزيون وغيرهم، من الذين يشعرون بالقلق إزاء ما يفعله أطفالهم المنتمون لليسار الحقيقي، وقد حذر كثير من الليبراليين من هذا الأمر.

إلا أنهم متواطئون أيضا لأنهم استفادوا من غضب وطاقة الفاشية الصعبة والاستفادة من سياساتهم الخاصة، ولا يزال الناشطون الديمقراطيون يأملون باستخدام هذا الهيجان العاطفي والقوة لتحقيق مكاسب سياسية في الانتخابات المقبلة.

ما هي تكلفة هذا الأمر؟ حرية التعبير. الذي من دونه ليس هناك جمهورية. واعتقدت في إحدى المرات أن الجامعات الأميركية قد تكون آخر ملاذ للأفكار، ويمكن لهذه الأفكار أن تزدهر وأن يتم تحديها وأن تناقش. ولكنها اليوم تعتبر المكان الذي تموت فيه الحرية والأفكار.

الجامعات الأميركية هي المكان الذي يتم فيه إسكات المثقفين الحاملين لوجهات نظر مخالفة، والاعتداء الجسدي عليهم أيضا من قبل الغوغائيين، وهو المكان الذي يسمح فيه للإداريين بالمتابعة، خوفاً من بث الرعب. لكن ماذا كان الرد الليبرالي العام على الأميركيين الذين ألحوا على التحدث عقب تهديدهم؟.

ويبدو الرد كالآتي: اصمت واذهب بعيداً. عد لاحقاً عندما تهدأ الأمور. لماذا تتسبب بالمشكلات؟ اصمت. لقد تم إسكات المحتجة اليمينية آن كولتر في بيركلي، حيث ولدت حركة حرية التعبير. وهناك مثقفون آخرون بمن فيهم تشاراز مواري وهيذر ماكدونالد، تم إسكاتهم في جامعات أخرى هاجمهما الغوغائيون، وإذا وافق الغرب على وجهات النظر هذه، ربما تتجلى الحقيقة في حينها. وإذا لم يوافق اليسار، فإنهم سيغلقون الباب. هذه سياسة أميركا الآن.

وشهد بعض الليبراليين تدمير الغوغائيين لوظائفهم، وعلى ذكر ذلك، يجول بخاطري هذين الاستاذين الزوجين. هي تقول لطلاب جامعة «ييل» بأن لا يقلقوا ازاء ارتداء طلاب آخرين أزياء مثل أزياء الهالوين. وهذه كانت أموراً مثيرة للقلق مقارنة مع التصحيح السياسي، وارتداء الطلاب لملابس الهلوين. ولكن كان هناك أمور أكثر يجب أن يقلقوا بشأنها مقارنة مع التصحيح السياسي وارتداء الطلاب لقبعات السيبرانو.

بالنسبة إلى كل المثقفين في طول البلاد وعرضها، فقد كتبوا عريضة ومقترحات. وقدم مديرو الجامعة في البداية عرضاً ما إلا أنهم تراجعوا عن ذلك. هم منافقون، وهذا جزء من الأمر.

لقد صاغت الجامعات بيروقراطية التعليم الاتحادي، وتحولت إلى معلمين شكلوا عقول الأطفال في أميركا. وبعض هؤلاء الأطفال موجودون في الجامعة اليوم بعد أن كبروا. وتشير المسوحات إلى أن كثيرا من الأميركيين اليافعين يعتقدون بأن من المفترض عدم السماح بالتفوه بالكلام المسيء. ولذلك تعلم الطلاب دروسهم على نحو جيد. وكل الخطابات التي تتحدى الوضع الراهن هي خطابات هجومية.

وبالتأكيد ما لم تكن من اليسار السياسي، فإن بإمكانك التفكير في حرية التعبير الموجودة في الجامعات الأميركية وسحقها. وهذا ليس ضرباً من الخيال العلمي ولا كذباً. هذا أمر يحدث الآن بالفعل في الولايات المتحدة.