أثارت ندوة «مستقبل المشروع الفلسطيني»التي عقدها مركز الخليج للدراسات مؤخراً تساؤلات حول التراجع الحاد رسمياً وشعبياً في كون القضية الفلسطينية هي القضية العربية الأولى.

وقد ترافق مع هذا انحسار مهم في فهم قضية فلسطين لدى أجيال جديدة من الناشئة العربية، وللأسف أن هناك من بين العرب من صار يتحدث عن حق اليهود التاريخي أو المقدس في فلسطين، وكأنهم يريدون إنكار حق الشعب العربي الفلسطيني في وطنهم التاريخي الذي امتد إلى آلاف السنين مع أجدادهم الكنعانيين،وينكرون حقهم في المسجد الأقصى.

أولئك الذين يتحدثون بذلك الصوت فهم يقبلون بالرواية الصهيونية، التي تذرعت بفكرة الحق المقدس لليهود في فلسطين ولا يعيرون انتباهاً لقراءة التاريخ ولنصوص الكتاب المقدس الذي تستند إليه الايدلوجية الصهيونية التي اعتمدت على نصوص وعد إبراهيم ونسله بأرض فلسطين، ويتجاهلون أن هذا الوعد - لو سلمنا به -فلم يستثن منه أبناء إسماعيل وأحفاده من هذا الوعد.

وهؤلاء الذين يسلمون بالرواية الصهيونية وتفسيرها لنصوص التوراة، ينكرون أولاً أننا نحن العرب من أحفاد إبراهيم الذين وعدوا بالأرض حسب الرواية التوراتية، ويتجاهلون أنها كانت أرضاً عامرة بالسكان قبل دخول اليهود أرض فلسطين، كما يتجاهلون الأطماع الصهيونية في حلم دولة من الفرات إلى النيل.

إذاً يؤكد التاريخ أن فلسطين هي أرض بني كنعان، تلك القبائل التي هاجرت منذ أكثر من أربعة آلاف سنة إلى فلسطين من الجزيرة العربية، إذ إن سكانها الكنعانيين لم يغادروها بل تزاوجوا واختلطوا بمختلف الأقوام الفاتحة لفلسطين ابتداء من الرومان ومروراً بالعرب وانتهاءً بالصليبيين، وهي كذلك ظلّت تعمر بسكانها العرب أثناء التقلبات التاريخية والحروب التي دارت على ترابها، وأن أهلها لم يغادروها أثناء فترات الاحتلال الأجنبي حتى في الزمان التي أقيمت فيه الدولة اليهودية أثناء حكم داوود وابنه سليمان، فوجودهم التاريخي ثابت حتى في التوراة ذاتها، وقد أكدت التوراة نفسها أن اليهود دخلوا فلسطين غزاة ليواجهوا سكانها الأصليين أجداد فلسطينيي اليوم، ناهيك عن أن الوعد المنصوص عليه في التوراة لأبناء إبراهيم لا يستثني ابنه إسماعيل من الوعد.

يؤكد الكاتب اليهودي موسى منوحين في كتابه "اضمحلال اليهودية في عصرنا" تلك العلاقة التاريخية التي تربط بين الشعب العربي الفلسطيني وأجداده الكنعانيين الذين شكّلوا شعباً عربياً واحداً متحداً منذ بداية القرن السابع الميلادي يقول..

«منذ أكثر من أربعة آلاف سنة خلت، وكما نعرف من خلال قصص التوراة فإن الكنعانيين عاشوا في فلسطين وأن بعض العرب الفلسطينيين المنفيين الآن كلاجئين يعيشون في الخيام والأكواخ في معسكرات خارج حدود وطنهم، هؤلاء ينحدرون في أصلهم إلى هؤلاء الكنعانيين القدامى، الذين كانوا مزيجاً من الساميين والآريين والحيثيين، واستقر هؤلاء الكنعانيون وبنوا المدن والقصور واستخدموا الجياد والعربات وبنوا المعابد المزينة بالأصنام»...«وأن الكنعانيين بقوا يربحون ويخسرون البلاد مرتين،وأثناء ذلك استمر الكنعانيون يمارسون أعمالهم الخاصة كفلاحين وعمّال وأرقّاء، وبعض الكنعانيين اعتنق اليهودية وبعض آخر المسيحية، وأما الباقون فإنه حينما جاء محمد "صلى الله عليه وسلم" من الجزيرة العربية ليفتح العالم ويحوّل الجميع إلى مسلمين باستثناء اليهود، اعتنق معظم سكان فلسطين الإسلام ليشكلوا شعباً عربياً واحداً متحداً منذ القرن السابع الميلادي، وهكذا نرى أن العرب الفلسطينيين يشكلون الأغلبية الساحقة من السكان في فلسطين منذ تلك الأيام».

إن الكثيرين ممن يدعمون إسرائيل يستندون إلى مفهوم خاطئ يتعلق بالحق الديني باستغلال نصوص توراتية لتحقيق هدف سياسي.

لقد كتب الحاخام اليهودي المربيرغر يقول: «إن أحسن ما يمكن أن توصف به دولة إسرائيل من حيث شرعيتها وسندها من الكتاب المقدس، هو أنها سلطة سياسية تم انشاؤها وتأسيسها من خلال طرق فاقدة لأي قدسية أو سند من الكتاب المقدس».

ونخلص إلى أن الرواية التوراتية التي تبنتها الرواية الصهيونية الاستعمارية بالاستناد على نصوص تاريخية مرفوضة من طوائف كثيرة من اليهود ويقفون ضد الصهيونية في حقها في إقامة كيان إسرائيل.

على العرب أنفسهم أن يكونوا في طليعة المدافعين عن الحق العربي في فلسطين فإسرائيل هي في نهاية المطاف تهديد للوجود العربي في ظل طموحات الصهيونية في إقامة دولة إسرائيل من الفرات إلى النيل.