(1)

يقولون: الدّهشة هي أم الفلسفة ومنبعها الخصب..

لهذا يرى أرسطو: إن ما دفع الإنسان في الأصل، وما يدفعه كل يوم إلى البحث، هو الدهشة.



(2)

في طفولتنا يدهشنا أي شيء..

كل ما هو حولنا تطارده أسئلتنا الفضولية المتعطشة لمعرفة كل شيء، وكل يوم ننبهر بالإجابة.

نتقدم بالعمر، نجرّب الأشياء الأولى.. كل فترة هنالك شيء جديد يأتي لـ«أول» مرة:

طعم، رائحة، نكهة، شعور مدهش.. وغريب أحياناً!

هنالك القبلة الأولى.. العطر الأول.. العلاقة الأولى.. المشاعر المتقلبة التي نجرب -ولأول مرة- مرارتها وحلاوتها واضطرابها!

تبدأ ذائقتنا تكبر، ووعينا ينمو: نطرب، ونرقص، ونحب، ونشاهد ونلمس الدهشة.



(3)

كلما تقدمت بالعمر قلّت دهشتك:

لا يطربك أي لحن.. تشعر أن الكمان سرق الحنين من العود حتى لم يعد في الحنين حنين، وأن الناي ترك وقاره الحزين وصار يرقص بفرح غبي تكاد إحدى قدميه تصطدم بالأخرى.. ويسقط، وأن الإيقاعات المبهجة مجرد أصوات مزعجة!

تمضي سنوات حتى تشاهد فيلماً عظيماً تكون بعد مشاهدته شيئاً آخر مختلفاً عمّا كنته.

تقرأ عشرات الكتب.. بالكاد تجد بينها كتاباً يربكك ويبتكرك ويمنحك عيوناً جديدة ترى عالماً مختلفاً.

حتى «النكتة» التي تقال لك -تكاد قبل أن تنتهي أن تكملها- لأن «الحبكة» واللعبة مرت عليك ألف مرة، وحفظتها عن ظهر قلب لم يعد يُضحكه أي شيء!



(4)

كلما تقدمت بالعمر، وازداد وعيك، ارتفعت شروطك..

صار من المدهش: أن تندهش!