ينتسب مصطلح ما بعد الحداثة إلى الحركات والفلسفات أو الاستجابات التي جاءت كرد فعل للتحديث، ويرى معظم المُنظِّرين لما بعد الحداثة على أنها ظرف تاريخي يؤذن بنهاية الحداثة، التي تم تعريفها كمرحلة أو ظرف تم تماهيه بشيء من التسيُّب مع ثورة التنوير.
أحد مشاريع الحداثة التي كان ينظر إليها باعتبارها نمطاً دولياً أنها تعزز التقدم، وأنها فترة فنية تم تشخيصها بأنها تجاوز تقسيم الأنواع، الفن الراقي والفن المتواضع وكذلك ظهور القرية العالمية. ويفرق جيدينز بين مُصطلحيْ «ما بعد التحديث»، «وما بعد الحداثة» حيث يرى أن «ما بعد التحديث» هو ظرف مجتمعي أو حالة للإنسان معنيّة بالتغيير في المؤسسات والظروف وتركز على النتائج السياسية والاجتماعية للمجتمع، بينما ما «بعد الحداثة» هي ظاهرة فكرية تمثل فلسفة جمالية أدبية سياسية اجتماعية.
فما بعد التحديث هو الظرف أو البيئة لما بعد الحداثة التي تعني حالة أو رد فعل لما هو حديث، حيث يستطيع الإنسان أن يُشكِّل العالم الذي يعيش فيه، وما قدمته تكنولوجيا الاتصال وتطبيقاتها خلال عقود محدودة استطاعت معه أن تغير مجتمعاتنا بطريقة تجاوزت فيه كل المبتكرات التكنولوجية السابقة وكانت موجات التكنولوجيا لها تأثيراتها وتحدياتها.
هنا تلعب تكنولوجيا الاتصال دوراً مهماً ومتزايداً في حياة البشر، في البيت والعمل والمدرسة والنشاط الاجتماعي والسياسة الدولية، ويفيد منها كل البشر مهما اختلف مستوى ذكائهم أو تعلمهم أو حالتهم البدنية، وهكذا نجد أن مبتكرات الاتصال لعبت دوراً أساسياً في الانتقال إلى عصر ما بعد الحداثة إذ تقوم بالمساهمة في تغيير نمط حياتنا وبيئتنا والربط بين مجتمعاتنا واقتصاداتها وتسهم في التغيير الاجتماعي وتنمية مجتمعاتنا.
خطاب «ما بعد الحداثة» يعتبر أنظمة الاتصالات الحديثة، مفتاح أمل لحياة أفضل ومجتمع أكثر عدالة، يرتبط بالزيادة الحتمية لتبادل المعلومات والطرق التي بها يمكن أن تعيد تشكيل ما هو قائم بالنسبة للأفراد والمؤسسات القائمة.
يطلق على مجتمع ما بعد الحداثة مسميات عدة منها مجتمع المعلومات والمجتمع ما بعد الصناعي ومجتمع الشبكات ومجتمع المعرفة، ولكن هذه التسميات كلها يمكن أن تتفق على مجموعة من السمات في مجالات عدة.
فمن ناحية تكنولوجية تميزت بظهور الابتكارات في مجال تكنولوجيا المعلومات ووسائل الإعلام وكذلك ظهور الطريق فائق السرعة للمعلومات.
ومن ناحية اقتصادية فقد برز أهمية نشاط المعلومات في قيادته لاقتصادات المجتمع الإنساني الجديد حيث نمت القيمة الاقتصادية لأنشطة المعلومات وللاقتصاد الإلكتروني والتجارة الإلكترونية.
ومن ناحية وظيفية فقد تغير نمط النشاط الوظيفي إذ نما عدد العاملين في قطاع المعلومات إذ شهدنا زيادة المشاركة في حجم قطاع الخدمات مقابل قطاع التصنيع، ويرى دانييل بيل أن غالبية الذين يعملون في مجتمع ما بعد الحداثة لا يعملون في قطاع إنتاج البضائع وأن ما يميز مجتمع ما بعد الحداثة طبيعة المعرفة ذاتها والتحول إلى المعرفة كقاعدة بدلاً من معيار الملكية والمعيار السياسي.
كما تم تجاوز قيود المكان والزمان مع نمو شبكات الاتصال، فعلى مستوى عالمي تم مراجعة علاقات وإدارة شؤون الحياة المختلفة مع التحرر من قيود المكان والزمان التي كانت تحد العلاقات فيما مضى.
ومن الناحية الثقافية، فقد تمثلت بالتدفق وزيادة غير عادية في توزيع المعلومات وتبادلها التي نتجت عن زيادة وسائل الإعلام وانتشارها وسهولة الوصول إليها عبر الإنترنت والفضائيات.
وها نحن اليوم نعيش مادياً في عصر ما بعد الحداثة ولكن هل بإمكاننا تجاوز الطبيعة التقليدية لثقافتنا ونمط معيشتنا ونكون حقاً أبناء عصر ما بعد الحداثة؟