بين ردود الأفعال الواسعة، التي واكبت - وأعقبت - انعقاد القمم الثلاث، التي جمعت بين الرئيس الأميركي رونالد ترامب من جانب، وقادة السعودية ودول الخليج والدول العربية والإسلامية من جانب آخر، توقفت أمام آخر هذه الفعاليات، وهو افتتاح «المركز العالمي لمكافحة التطرف والإرهاب- اعتدال».

لا مفر من التسليم بأن مواجهة الإرهاب والتطرف، قد أصبحت قضية العرب والمسلمين المركزية، مع - أو قبل - تحرير فلسطين، التي ظلت تشغل هذا الموقع منفردة، منذ بداية خمسينيات القرن الماضي إلى نهاية السبعينيات منه.

يأتي تأسيس «المركز العالمي لمكافحة التطرف والإرهاب/ اعتدال»، تعبيراً عن إدراك العرب والمسلمين - المتأخر نسبياً - أن الأوان قد آن، لكي يشاركوا بفاعلية في الجهود الدولية التي تسعى لمواجهة هذا الوباء، الذي لا يهدد فحسب وجودهم، ويسيء إلى جوهر دينهم.

ولكن - كذلك - لأن المشاركة في هذه المواجهة، تؤكد حقهم المشروع في الدفاع عن الحضارة الإنسانية الراهنة، التي كانت الحضارة العربية والإسلامية - في مراحل ازدهارها - أحد روافدها الأساسية، حين انتقلت منهم إلى الغرب، فاعتمد عليها، وأضاف إليها، ليبنى من ذلك حضارة العصر الذي نعيش فيه.

ولأن المتطرفين والإرهابيين يؤمنون بأن الغاية تبرر الوسيلة، ولا يتورعون عن تحريف آيات الله، لكي يبرروا ما يرتكبونه من جرائم في حق الإنسانية، فقد سبقوا الجميع في استغلال منجزات الحضارة الراهنة، التي لا يعترفون بها، ويصفونها - في أدبياتهم - بجاهلية القرن العشرين وما تلاه، في تحطيم هذه الحضارة.

وبعد أن كانت الأجيال السابقة منهم تعتمد في عملياتها الإرهابية على أسلحة بدائية خفيفة، أصبحت تنظيماتهم تضم أقساماً لتصنيع الأسلحة الثقيلة، وغيرها مما كان يقتصر حيازته واستخدامه على الجيوش النظامية.

وما كادت ثورة الاتصالات تطرح ثمارها الأولى، حتى استغلوا منجزاتها في تجديد الهياكل التنظيمية للمنظمات الإرهابية، التي يديرونها لتتحول إلى شبكات دولية عابرة للحدود، ويوظفونها في الربط بين قيادة هذه الشبكات، وبين أعضائها متعددي الجنسيات، وفي نشر أفكارهم وآرائهم وتفسيراتهم الدينية لجذب الأعضاء الجدد.

أما وقد أصبح الإعلام أداة رئيسة من أدوات ما أصبح يوصف بأنه حروب الجيل الرابع، وسلاح أساسي ومؤثر من الأسلحة التي يستخدمها الإرهابيون والمتطرفون، فقد كان منطقياً وضرورياً، أن يتأسس «المركز العالمي لمكافحة التطرف والإرهاب/ اعتدال».

لكى يتولى رصد وتحليل ومواجهة الخطاب الإرهابي، ويتعاون مع الحكومات والمنظمات التي تنشط في المجال نفسه، لنشر وتعزيز ثقافة الاعتدال، ولتحقيق هذا الهدف، تمكن المركز - في فترة الإنشاء - من تطوير تقنيات مبتكرة، تمكن الخبراء العاملون به من رصد ومعالجة وتحليل المادة المتطرفة والإرهابية خلال 6 ثوانٍ فقط من بثها.

وتقودهم إلى تحديد مواقع المنصات الإعلامية التي تنطلق منها، سواء كانت قنوات تليفزيونية، أو وسائل للتواصل الاجتماعي، أو الهاتف أو غيرها من وسائل الاتصال بمختلف الطرق.

ذلك مشروع طموح، يوسع من نطاق أساليب مواجهة الإرهاب والتطرف، بحيث لا تنتصر فقط على أجهزة الأمن التي لا يزال العبء الأكبر من هذه المواجهة يقع على كاهلها، ويوفر لها معلومات تفيدها في أداء مهمتها الصعبة، بكشف أساليب التجنيد لهذه المنظمات، وإجهاض العمليات التي تخطط لها، ويسهم - فضلاً عن ذلك - في تجفيف منابع الإرهاب، بنشر الفكر المعتدل، وفضح الآراء الفاسدة التي تروج لها هذه المنظمات.

ولا تكمن أهمية هذا المركز فحسب، في اتخاذه «الرياض» - وهى عاصمة الدولة التي تتولى خدمة الأماكن المقدسة للمسلمين - مقراً رئيساً له، في إشارة رمزية لا تخفى دلالتها على أحد..

ولكنها تكمن - كذلك - في أن الذي يديره، هو مجلس إدارة يتكون من 12 عضواً ينتمون لدول وجاليات إسلامية مختلفة، وهو ما ينطبق كذلك على الخبراء المتخصصين الذين يشكلون جهازه الفني، ما يجعله بالفعل مركزاً عالمياً لمكافحة التطرف والإرهاب، يليق بالاسم المختصر الذي اختاره لنفسه، وهو: «اعتدال».