تعود أقدم الأعمال في حقل الجغرافيا بالعصر الإسلامي إلى أوائل القرن الثالث ميلادي/ التاسع هجري، وتحديداً في عهد الخليفة العباسي المأمون. فقد شهد عهده رسم خريطة العالم «الخريطة المأمونية»، وهذه الخريطة المفقودة شُوهدت من قبل أبو الحسن المسعودي الذي اعتبرها أكثر دقة من خريطة بطليموس. في ذلك الوقت، وظهر عدد من الأعمال الرئيسية الأخرى في الجغرافيا على المسرح العالمي، بعضها مكتوب من قبل فلاسفة مثل يعقوب بن إسحاق الكندي وأحمد بن الطيب السرخسي وغيرهم الذين يمكن إيجاد أسمائهم في الأعمال الفلكية لأبو عبد الله البتاني، وأبو عباس الفرغاني، وابن يونس.
وكانت تلك الأعمال على نوعين، وصفية وحسابية. الأعمال الوصفية كانت في الغالب على شكل محاضرات مثل عمل ابن خورداذبة، أما الأعمال الحسابية، فقد اتبعت في المعظم نموذج بطليموس. أهم الأعمال ضمن المجموعة الحسابية، في تلك الفترة المبكرة من العصر الإسلامي، «صورة الأرض» لمحمد بن موسى الخوارزمي. كذلك من بين أعمال تلك الفترة التي تتعامل بكثافة مع الجغرافيا الحسابية، يمكن ذكر كتاب «الأعلاق النفيسة» لابن رسته. وخلال القرنين العاشر والحادي عشر، تطورت الجغرافيا بشكل واسع بالتوازي مع المراقبة الفعلية لأجزاء مختلفة من العالم، وتراكم الدراسات الأولى، وقد جعل البحث المستمر من قبل العلماء المسلمين من الممكن حدوث توسع ملحوظ في آفاق الجغرافيا.
وكتب المؤرخ الكبير أحمد اليعقوبي أيضا عن الجغرافيا كعلم مصاحب للتاريخ. كذلك جمع المؤرخون عن الطبيعة مثل أبو الحسن المسعودي علم الكونيات مع التاريخ والجغرافيا في موسوعة واحدة تحت عنوان «مروج الذهب»، وهذا الكتاب أصبح مثالاً يحتذى به على امتداد قرون.
وقد افتتح فصل جديد أيضا في حقل جغرافيا البحار، ذلك أن البحارة العرب قاموا برحلات مكثفة خلال تلك الفترة إلى أراض نائية مثل جاوة وسومطرة والصين، وبالطبع الهند. الحكايات الشعبية والتوصيفات العملية لتلك الرحلات موجودة في أعمال أخبار السند وأخبار الهند.
ويمكن العثور على أهم الدراسات الإسلامية في الجغرافيا في تلك الفترة المبكرة في كتابات أبو الريحان البوريني، سيد الجغرافيا الحسابية والوصفية والثقافية. ليس فقط عمل البيروني «تحديد المعمورة وتصحيحها في الصورة» هو العمل الرائد الأهم للمسلمين في الجغرافيا الحسابية، بل أنه كرس صفحات من كتبه «الآثار الباقية عن القرون الخالية» و«قانون المسعودي» إلى الجغرافيا بالدقة والعناية التي ميزت كل أعمال معلم الدراسات والعلوم هذا.
وتشكل الفترة من القرن السادس ميلادي /الثاني عشر هجري حتى بداية التوسع الأوروبي خلال عصر النهضة فترة الإعداد والترتيب المنهجي للجغرافيا لدى المسلمين، حيث رأت النور في تلك الفترة موسوعات عدة في علم الكونيات مثل «نخبة الدهر» لشمس الدين الأنصاري الدمشقي و«عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات» لزكريا القزويني.
وكان هذا أيضا العصر الذي شهد بروز علماء جغرافيا بارزين مثل أبو الفداء، وبوجه خاص أبو عبد الله الإدريسي، وهو الجغرافي المغربي الذي خدم في بلاط روجر الثاني في صقلية وألف «كتاب روجر». وتشكل خريطة العالم التي أعدها الإدريسي، المستندة إلى كل من المصادر الهيلينية والفترات المبكرة من العصر الإسلامي، ذروة الرسم التخطيطي في الإسلام وأوج الجغرافيا في العصر الإسلامي في هذا المضمار. وخلال تلك الفترة، فإن عملاً رئيسياً آخر تم نشره وهو «معجم البلدان» للجغرافي ياقوت الحموي، الذي ما زال أداة لا غنى عنها للبحوث من جانب الدارسين المعاصرين.
وكانت تلك الفترة أيضا أوقاتاً لرحالة كبار، على رأسهم ابن بطوطة الذي انطلق من طنجة ووصل بعيداً إلى الهند. ويقدم في كتابه «رحلة ابن بطوطة» معلومات جغرافية وطوبوغرافية موسعة، بما في ذلك في التاريخ والدين والأثنيات، وكل ذلك يجعل من عمله واحداً من الأعمال الأبرز في فترة العصور الوسطى.
دنيس جونسون ديفز