هل تذكرون ما قيل للناخبين خلال حملة الاستفتاء على «بريكست»، إن «ملايين الأتراك» سيجتاحون أوروبا وبريطانيا، إذا لم تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟ وكيف صعد وزراء الحكومة على شاشات التلفزة للحديث عن احتمال انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، نتيجة لاتفاق بشأن اللاجئين تم التوصل إليه بين المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والحكومة التركية، ولم يحصل شيء من هذا القبيل طبعاً.
وعلى العكس تماماً، تسعى تركيا حالياً لإعادة ضبط علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، وتقوم بذلك من دون أن تحصل على دخول من دون تأشيرات لمواطنيها، ومن دون إشارة إلى أي تقدم في مفاوضات انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي. باختصار: يبدو أن الاتحاد الأوروبي قد أحسن اللعب بأوراقه مع هذا الشريك الصعب. وهذا أمر مشجع في وقت تريد ميركل والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وغيرهما وضع علامات إيجابية على الآفاق المستقبلية لأوروبا.
وتعد أنقرة مكاناً متوتراً للغاية هذه الأيام. ويخبر الأكاديميون الأتراك قصصاً مزعجة بأنهم لا يعرفون ما إذا كان سيكون بمقدورهم العودة إلى منازلهم وعائلاتهم في المساء، لأن قوات الأمن يمكنها منعهم تحت أي ذريعة، ففي ظل استمرار حملة التطهير السياسية في أعقاب محاولة الانقلاب في يوليو الماضي ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يمكن اعتقال أي شخص في أي وقت.
لكن خلال المناقشات الأخيرة مع مسؤولين أتراك وأعضاء من المجتمع المدني، نما إلى مسامعنا أخبار عن كيف أن جارنا يريد الآن «تجديد» العلاقة المحفوفة بالمخاطر. وفي النهاية، بعد كل ما قيل بشأن ابتزاز أردوغان لأوروبا، فإن هذا يضع الأمور في سياق مختلف. ويبدو الآن الرئيس التركي يريد أن يأخذ بلاده خارج عزلتها.
وهناك أسباب مفهومة لذلك. فقد أصبح الشرق الأوسط أكثر إثارة للقلق، وخطوات تركيا الأخيرة للوقوف إلى جانب قطر هي مثال إلى أي حد تبدلت الأمور بشكل سيئ للقوة «العثمانية الجديدة» التي وعدت في يوم من الأيام بـ«صفر مشكلات» مع جيرانها. كما أن علاقات تركيا مع روسيا ليست واعدة بالإجمالي، أيضاً. فتعهدات بالمصالحة بعد إسقاط الطائرة الروسية فوق سوريا عام 2015 من جانب القوات التركية فسحت المجال لمواقف حرجة. وبالمثل، تشعر تركيا أنه تم تقويضها من قبل الولايات المتحدة التي تسلح جماعات الأكراد السوريين في القتال ضد داعش، وهي خطوة تنظر إليها كتهديد لأمنها القومي بسبب علاقات هذه الجماعات بحزب العمال الكردستاني.
نتيجة لكل ذلك، على الأرجح أن تخرق تركيا اتفاق اللاجئين الذي تم التفاوض بشأنه مع ميركل العام الماضي، والذي سمح بوقف تدفق اللاجئين الهائل إلى أوروبا عبر البلقان. لكن بقدر ما هو الاتفاق مثير للجدل، فإن أي تقييم واقعي يتعين أن يعترف أنه ذهب بعيداً في منع المزيد من الوفيات في بحر إيجه، لكن أيضاً ضمن عدم عصف الشعبوية بالسياسات الأوروبية من خلال اللعب على مخاوف الهجرة غير المنضبطة.
وكان لهذا آثار كبيرة على الاتحاد الأوروبي، حيث جعله يبدو أكثر فاعلية، كما أنه سيساعد بالتأكيد في احتمال إعادة انتخاب ميركل، فيما تحاول إعادة تشغيل مشروع الاتحاد الأوروبي، جنباً إلى جنب مع ماكرون.
ولم يلاحظ كثيرون لقاء أردوغان مع قادة الاتحاد الأوروبي في 25 مايو، مع كل من دونالد تاسك وجان كلود يونكر في بروكسل، على هامش زيارة ترامب الكارثية إلى «ناتو». حيث اتفق الجانبان على تدفئة العلاقات مؤقتاً، لكن التحول تم السكوت عنه بشكل متعمد. فصورة تركيا سيئة للغاية إلى حد أن السياسيين الأوروبيين حذرون في الظهور على ود مع زعيم بميول استبدادية. ولا يريد أردوغان أن يبدو بأنه يرضخ لمطالب الاتحاد الأوروبي في تعديل تشريعات مكافحة الإرهاب التي يستخدمها لسحق المعارضة.
وتبقى تركيا شريكاً مثيراً للقلق لأوروبا، لكن الجانبين يبدوان أنهما يقران بأنهما لا يستطيعان الاستغناء عن بعضهما في ظل بيئة جيوسياسية خطيرة متحولة. ولا يمكن لتركيا أن تتحمل الاستغناء عن الضمانات الأمنية لناتو، التي يشكل الأوروبيون في النهاية جزءاً منها. وليس كما لو أن المشروع التجاري للصين «حزام واحد طريق واحد» أو لروسيا يقدمان بدائل. ولا يصدق أحد أن تركيا سوف تدخل نادي الاتحاد الأوروبي قريباً، لكن العلاقة عادت إلى «التحدث من أجل تبادل أطراف الكلام» كما يعبر عن الأمر مصدر أوروبي.
إلى جانب ذلك، لا تسير أوضاع الاقتصاد التركي بشكل جيد، ولأردوغان مصلحة في إبقاء أموال الاتحاد الأوروبي تتدفق إليه، كجزء من اتفاق اللاجئين.
صحيح أن ألوف الأشياء يمكن أن تذهب في طريق الخطأ، وفيما لم يتردد أردوغان في توجيه اللوم للحكومات الغربية خلال حملة الاستفتاء في تركيا، كان اللعب على وتر المشاعر المناهضة لتركيا تحركاً يمكنه كسب الناخبين لبعض السياسيين الأوروبيين، كما لا يمكن التغاضي عن انزلاق تركيا إلى الدكتاتورية إذا وقف الاتحاد الأوروبي من أجل القيم.
بمعزل عن دوافعه، يبدو الرجل القوي في تركيا عازماً على إعادة تجديد العلاقات مع الاتحاد الأوروبي. هذا ينبغي أن يمنح أوروبا نفوذاً فيما هي تحاول إظهار قوة دبلوماسية. مع كل تعقيداته، فإن التعامل مع تركيا يمكن أن يصبح قصة النجاح غير المتوقعة لأوروبا الواثقة من نفسها حديثاً. النادي ليس على وشك الانهيار، بدلاً من ذلك يزداد قوة، وعلى هذه النقطة، كان المؤيدون للخروج من الاتحاد الأوروبي على خطأ تماماً.