في عام 1967 صدر كتاب «مجتمع الفُرْجَة» لمؤلفه الفرنسي غي ديبور Guy Debord. وهذا الكتاب ينظر إلى عالمنا اليوم من خلال ما أسماه مجتمع الفُرْجَة، حيث يرى أن الفُرْجَة ليست مجموعة من الصور، بل هي علاقة اجتماعية بين الناس التي تتم بوساطة الصور، ولفهم الفُرْجَة في مجملها، فهي النتيجة والهدف للنمط المهيمن للإنتاج على حد سواء.

إنها ليست عنصراً زخرفياً بحيث تضاف إلى العالم الحقيقي، بل هي على النقيض من ذلك، هي جوهر عدم واقعية المجتمع الحقيقي. وتُجسّد الفُرْجَة النموذج السائد للحياة الاجتماعية في كل مظاهرها المُحدَّدة مثل الأخبار أو الدعاية والإعلان والاستهلاك الفعلي للترفيه.

هل نعيش في الوطن العربي في حالة مجتمع الفُرْجَة؟

إذا أردنا أن نُرَفّْه عن أنفسنا فإننا نذهب إلى السينما أو نشاهد الدراما والمسلسلات ونتابع الألعاب الرياضية، وإذا أردنا أن نتسوق فإننا نتابع الإعلانات ونسترشد بما تقترحه علينا صُوَر الإعلانات ونداءاتها، وإذا أردنا أن نَتعرّف على واقعنا وما يجري من حولنا فإننا نذهب إلى الأخبار ونتفرج على ما تنتقيه لنا المحطات التلفزيونية من صور وما تعرضه من آراء، أو نقرأ الصحف والمجلات ونطالع صورها المُلوّنة.

في شهر يوليو ولأكثر من أسبوعين سَيطرتْ صُور مشاهد المرابطين المعتصمين من أجل المسجد الأقصى الذين يُصَلّون في شوارع وساحات المدينة المقدسة، بعد أن رفضوا الدخول من بوابات الاحتلال الإلكترونية، واحتلت تلك المشاهد شاشات الفضائيات ووسائط التواصل الاجتماعية التي كانت تنقل الفيديوهات من موقع الحدث، ونقلت لنا انتصارات الجماهير وتضحياتهم.

ولو أنك زُرتَ عَمَّان في شهر يوليو فسوف تفاجئك كمية الصور المُلوَّنة للمرشحين لانتخابات البلدية ومجالس المحافظات، وكذلك صور المغنين الذين يشاركون في مهرجان جرش الدولي التي غمرت شوارع عَمَّان وميادينها بطريقة تُلفِتُ النظر، ولكنها تُلّوث مشاهد الفُرْجَة في العاصمة الأردنية.

وإذا أردنا أن نفهم واقعنا السياسي فليس أمامنا سوى مسارح مفتوحة عبر الفضائيات التي تقدم كوميديا سوداء لواقع عربي ممزق وسياسات، نتساءل عن مدى جديتها في الانتماء إلى أمة عربية واحدة، ونتعرف على مدى تدخل الجيوش الأجنبية ودورها في التَحَكُّم في مصائر بلداننا وتَدخّلها المباشر في مناطق الصراع في الوطن العربي.

والصور الغامرة التي نشاهدها ترينا إلى أي مدى يهتم الساسة بالصورة التي يتم عرضها لهم بحيث تحقق التواصل مع الجماهير المطلوب عند نشرها.

ويعتمد التسويق في حياة الأعمال التجارية على عالم الفُرْجَة المتمثل بالإعلانات وحينما يتم تأسيس شركة جديدة فأول ما يتم التفكير به هو شعارها والخط الذي سيكتب فيه اسمها والألوان التي تُميّْزها لتكون جزءاً من عالم الفُرْجَة.

وأصبحت الفُرْجَة النموذج السائد لحياتنا الاجتماعية، فعلى سبيل المثال، الذين يستخدمون فيسبوك مغرمون بعالم الفُرْجَة والصور التي ينشرونها دليل على ذلك، فهي تتابع حياة الفرد في حِلِّه وتِرْحاله وتتابع تصوير الوجبات التي تم إعدادها في البيت أو في المطاعم وتتابع صوره منذ دخوله أرض المطار إلى مغادرة الطائرة.

وصارت حياتنا اليومية محكومة بالصور ففي لقاءاتنا العائلية والاجتماعية نَكادُ لا نجد شخصاً لا يحمل هاتفه منشغلاً به عن أصدقائه بمشاهدة مقاطع الفيديو التي استقبلها على رسائل الواتساب أو أنه يقوم بالتقاط صور له وللآخرين، ولتكون جزءاً من عالم الفُرْجَة الاجتماعية التي يتواصل بها عبر الفيسبوك والواتساب وغيرها من الوسائل الاجتماعية.

نحن نعيش في عالم تَحكُمُه الصورة اليوم. إنه عالم الفُرْجَة في أوسع أبوابه الذي يجعلنا متفرجين أكثر من أن نكون فاعلين، إنه عالم الإلهاء المُرتَبط بالاستهلاك المحكوم بالسوق العالمي الذي لا يريد منا سوى أن نكون مستهلكين في خدمة شركات عالمية عابرة للقارات تَستغلُّ الثروات الطبيعية للشعوب، وتستنزف مواردها في سبيل جيوب قِلّة تسيطر على السوق العالمي.

وهو عالم محكوم بالسياسة التي تجعلنا مشدودين للرسائل الدعائية السياسية وصورها الغامرة التي يُسعدها أن نغرق في عالم الترفيه والمُشاهدة لما ينسينا واقعنا.