هناك وجه تشابه كبير بين الدولة والإنسان؛ كلاهما قد يكون وحدة اجتماعية مختلفة الخصائص والمكونات، ولكن كل منهما يحمل الكثير مما هو موجود في الآخر.

الدولة والإنسان لهما «حدود»، هي في العموم وهمية أو افتراضية على الخرائط لدى الأولى، خط ما تواضعت عليه الدساتير في الدولة واعترف بها المجتمع الدولي؛ أما الثاني فجلده هو حدوده المباشرة وقد يضيف لها بعضاً من المساحة تزيد أو تنقص للعيش والحركة. كلاهما له خصوصياته التي لا يجوز تجاوزها، ويسمى ذلك في الدولة السيادة أما في الإنسان فهي الحقوق الأساسية للحياة والحرية والخصوصية.

وكلاهما يعيش دورة حياة بين الميلاد والموت، والصعود والهبوط، والمجد والعار، الصحة والمرض؛ وفي كل هذه الأحوال فإن «المناعة» و«القدرة على المقاومة» هي التي تحدد المدى الذي يصل إليه كل منهما في تحقيق أهدافه وطموحاته.

هذه المعادلة بين الدولة والإنسان هي جوهر القضية التي أثيرت بصدد انهيار الدول أو فشلها أو تفتيتها والتي نجد لها نماذج في المنطقة حولنا. الصومال سقطت وهناك محاولات جارية للملمة أطرافها وكذلك كان الحال في أفغانستان وإثيوبيا، والسودان انقسمت إلى دولتين، وسوريا وليبيا واليمن دخلت في حرب أهلية، والعراق يعاني من انقسامات مختلفة.

ولكن منطقتنا ليست وحدها التي أصابها «فيروس» الانهيار أو التقسيم أو ببساطة الفوضى الدائمة؛ فلم تكن هناك ربما دولة أقوى من الاتحاد السوفييتي الذي كان مكوناً من ١٥ جمهورية، ولديه آلاف الرؤوس النووية، وبمقدرته وحده تدمير الكرة الأرضية بضع مرات، وهو في النهاية كان دولة عظمى.

كل ذلك انهار، وانقسمت تشيكوسلوفاكيا إلى دولتين، هناك أمثلة كثيرة أخرى جارية الآن على كوكب الأرض، وهناك أمثلة أخرى عرفها التاريخ. ولكن ما يجمع كل هذه الأمثلة مع بعضها البعض هي أن ما جرى في كل حالة كانت نتيجة ضغوط كثيرة أو هجوم منظم على الدولة لم تستطع مناعتها مقاومته، فكان «البتر» ـ أي التقسيم ـ هو الحل، وكان الانهيار في أحيان أخرى هو النتيجة.

الدولة في التعريف المباشر هي جمع مكونات شعب وأرض وسلطة؛ ومن الناحية العملية فإن هذه الثلاثية تعني حزمة من المؤسسات والفاعلين وأصحاب المصلحة التي ينظم العلاقة بينها «دستور» أو «قانون أساسي» يحكم بين الناس ساعة الخلاف والتناقض.

وفي كل دساتير العالم تقريباً فإن الفصل الأول منها يتضمن الحقوق الأساسية للمواطنين، وطبيعة العلاقة القائمة بينهم، ولماذا تجمعوا جميعاً في دولة بعينها؛ وفي الفصول الثلاثة التالية فإنها تفرد لتوضيح السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية؛ وما يلي ذلك من فصول يختلف من دولة إلى أخرى ويتوقف على أمور تخص كل دولة ومدى لا مركزيتها والحقوق التي تعطيها لجماعات فيها.

وبجوار كل ذلك يوجد ما يسمى «الفضاء العام» الذي يوجد فيه المجتمع المدني من أحزاب وجمعيات وإعلام ومؤسسات اقتصادية واجتماعية.

مدى التماسك ما بين «الفضاء العام الرسمي» و«الفضاء العام المدني»، وقدرة كل منهما على التفاوض السياسي والاقتصادي حول معادلة «التغيير والاستقرار»، هو الذي يحدد درجة مناعة الدولة وقدرتها على مقاومة الفيروسات والميكروبات والغزو الأجنبي ومحاولات نزع الشرعية عن الدولة أو النظام السياسي فيها.

مصر أقدم دولة في التاريخ، وحدودها التي نعرفها الآن هي تقريباً ما استقر خلال حقب مختلفة على أنه ميراثها الجغرافي مهما توسعت أحياناً، أو حتى تراجعت تحت وطأة الاحتلال الأجنبي، فلقد كانت «الولاية» المصرية كما نعرفها الآن في ظل الجمهورية. وفي عام ٢٠٢٢ سوف تكون مائة عام قد مرت على مصر كما يعرفها العالم ويعرفها المصريون.

وفيها تخلصت الدولة من الوصاية العثمانية، والاحتلال الإنجليزي، والاحتلال الإسرائيلي وأصبح لديها من القوة والمنعة ما يكفي لمواجهة الغزو الخارجي. جيش مصر العظيم والتوازن الاستراتيجي في المنطقة وفي العالم يعطي مصر المناعة الكافية لكي تجعل ذلك غير ممكن بل ومستحيل ويجعل المحاولة مكلفة لكل المعتدين.

ولكن ما يهدد مناعة مصر ليس هذه النوع السوقي لاستخدام القوة والعنف؛ وإنما هناك أنواع أخرى من الميكروبات والفيروسات والأورام التي تنبت داخل الجسم نتيجة الخلل في العلاقات ما بين مكونات الدولة؛ أو لما تولد من التاريخ الطويل من ثقافات متضاربة للتعامل معها.

ما يهدد الدولة المصرية يظهر لنا واضحاً أحياناً كما هو الحال مع الإرهاب وجماعة الإخوان الإرهابية وتوابعها وتابعيها؛ وكما هو الحال أيضاً مع الزيادة السكانية التي تتفوق على معدلات النمو الراهنة.

هذه تهديدات واضحة ويتوافق عليها الفضاء العام الرسمي وغير الرسمي، ويمكن قهرها بالأمن والفكر ومقاومة التطرف والتنمية الاقتصادية الشاملة والسريعة. ولكن المعضلة ربما تكون في ميكروبات وفيروسات لا نراها لأنها كامنة في مؤسساتنا بحيث لا تجعلها فاعلة أو تنقص من كفاءتها.

ويحدث ذلك حينما تكبل السلطة التنفيذية بالبيروقراطية، ويصبح على السلطة القضائية أن تتعامل مع عشرات الألوف من التشريعات المتناقضة والمتضاربة، مع كل ذلك فإن تحصين مصر ورفع مناعتها ممكن، خاصة مع نظام حاكم وطني مؤمن بقدرات هذا البلد وهذا الشعب، مثل نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي التف حوله الشعب ووضع آماله كلها عليه، النجاح سيتحقق حتماً والمهم أن نستوعب بمهارة ما يهدد مصر حقاً.