لأن أحداً ممن يتوقع المصريون، أو يتمنون، أن يخوضوا المنافسة في انتخابات الرئاسة، التي تجرى في مايو من العام المقبل، لم يعلن بوضوح حتى الآن عن نيته في ترشيح نفسه، فقد انتهز «أحمد شاهين» الذي يقدم نفسه باعتباره عالماً فلكيا فرصة خلو الساحة من المرشحين، لكي يعلن على شاشة إحدى القنوات أنه سوف يخوض المنافسة على الرئاسة، ولم يجد عالم الفلك، من إنجازاته القديمة، ما يزكي به نفسه للناخبين في أول إطلالة تلفزيونية له، سوى التذكير ببعض النبوءات التي سبق أن تنبأ بها، وتحققت..
ولم يجد من نبوءات المستقبل، ما يعد به هؤلاء الناخبين، سوى التنبؤ بأن القيامة سوف تقوم قبل نهاية هذا العام، وهو ما أضحك مقدم البرنامج، وأضحكني، إذ لو صحت نبوءته لما كان هناك مبرر لأن يرشح نفسه في انتخابات سوف تجرى بعد أن تقوم القيامة.
لم أتوقف عن مطاردة نبوءات - أو أكاذيب - علماء الفلك، بعد أن شاركت ضمن فريق من تلاميذ عالم الاجتماع الراحل «د. سيد عويس» في جمع جانب من المادة الميدانية لبعض ما قام به من أبحاث رائدة حول ظاهرة التفكير الخرافي الذي يسيطر على عقول المصريين والعرب.
وكانت البداية حين اكتشف «د. سيد عويس» صدفة، أن من بين هؤلاء، من لا يزال يرسل خطابات، إلى مقام الإمام الشافعي بالقاهرة، يضمنها شكواه مما يعانيه من مشكلات ومظالم في حياته، ويطلب فيها من صاحب المقام، باعتباره قاضي الشريعة، أن يستخدم نفوذه، لكي يعيد له حقه المسلوب.
ويرفع عنه ظلم الأقوياء والمتجبرين، وحتى الآن لا تزال معظم الصحف العربية، تخصص زاوية يومية بعناوين من نوع «الأبراج» و«البخت» و«حظك اليوم»، تحمل لقراء هذه الصحف نبوءات خبراء الأبراج الفلكية بما سوف يواجهوه قارئها في هذا اليوم، ويحررها في الغالب أحد محرري الصحيفة ينتحل لنفسه صفة «عالم الفلك».
ولا تزال بعض محطات التلفزيون تخصص برنامجاً أسبوعياً لتفسير الأحلام، وعندما اعترضت ذات مرة في اجتماع عقده الرئيس المصري الأسبق «حسني مبارك» على تخصيص التلفزيون المصري لبرامج من هذا النوع، تسعى لنشر الخرافة، دافع أحد المسؤولين بالتلفزيون عن البرنامج، وقال إنه يتلقى أسبوعياً ما يزيد على 500 اتصال هاتفي من المشاهدين.
وأضاف يقول لي معاتباً عقب الاجتماع، الذي أسفر عن إلغاء البرنامج، إن كثيراً من تلفزيونات العالم المتحضر، تقدم برامج لقراءة الطالع والكف وفتح الكوتشينة، وأن كل حضارات العالم، عرفت هذا النوع من الخرافات في العصور القديمة والوسطى، ثم تحولت مع تقدم الاكتشافات العلمية إلى ميراث ثقافي، يلجأ إليه الإنسان في فترات الضيق أو الكرب لكى يتخفف من آلامه أو أحزانه.
ومع أن ذلك ليس مبرراً في رأيي للصمت على هذا النوع من التفكير الخرافي، إلا أني لا أستطيع أن أنكر أن وقائع التاريخ القديم بل والمعاصر تؤكدها، لم يكن آخرها إعلان البروفيسور «أحمد شاهين». أن القيامة سوف تقوم في نهاية هذا العام.
ولم يكن أولها ما يرويه السياسي السوري الراحل «أكرم الحوراني»، الذي كان أحد نواب الرئيس عبد الناصر في عهد الوحدة المصرية السورية، وهو يقول في مذكراته إن حديثاً جرى بينه وبين نائبي الرئيس المصريين «عبد اللطيف البغدادي» و«زكريا محيي الدين» تطرق إلى ذكر الشائعات التي كانت تملأ دمشق آنذاك ربيع 1959 – بأن أحد العلماء قد عثر في أحد الكتب القديمة على نص يقول إن «عبد الناصر» سوف يحرر فلسطين وبيت المقدس كما حررها صلاح الدين الأيوبي.
وهي شائعة أكدها له «البغدادي» مع بعض التصحيح، خلاصته أن الكتاب وضعه أحد القساوسة الأوروبيين وتنبأ فيه بأن رجلاً من الشرق سوف يهزم الغرب، وأن هذا الرجل سيكون عبد الناصر.
بعد ثمانية أعوام من هذا التاريخ – وفي 5 يونيو 1967- استولت إسرائيل على ما تبقى من فلسطين ومن «بيت المقدس» وبعد ثلاثة أعوام أخرى – وفي 28 سبتمبر 1970 – رحل «عبد الناصر» عن الدنيا دون أن تتحقق نبوءة العالم السوري أو القسيس الأوروبي حتى اليوم..
بينما خرج أحد علماء الفلك ليؤكد أنه تنبأ بتاريخ رحيل «عبد الناصر» في كتاب أصدره عن نبوءات ذلك العام، أصدره في بدايته وقبل تسعة أشهر من هذا الرحيل، وقال فيه «نعوذ بالله من 28 سبتمبر».
وصدق من قال: كذب المنجمون ولو صدقوا.