بعد أشهر عدة تدخل مصر انتخابات رئاسية جديدة، يلزم أن يكون الرئيس السيسي على رأس مرشحيها أملاً في الحصول على حقه الدستوري في فترة حكم ثانية مدتها أربع سنوات، تمكنه من أن يعبر بمصر مرحلة عنق الزجاجة التي توشك على الانتهاء لتدخل مرحلة جديدة أكثر رحابة واتساعاً، يجني خلالها الشعب المصري ثمار صبره الطويل على آلام مرحلة الإصلاح الاقتصادي وتضحياته الجسام.

والحق أن نظرة فاحصة على أوضاع مصر قبل أربعة أعوام، عندما حكمتها جماعة الإخوان لمدة لا تزيد على عام، لم يطق بعده المصريون صبراً على حكم المرشد والجماعة التي حاولت السيطرة على مفاصل الدولة المصرية ومقدراتها، ودخلت في صراعات مخيفة مع كل مؤسسات الدولة.

الحق أن نظرة فاحصة لأوضاع مصر السابقة وأوضاعها الراهنة بعد أربع سنوات من حكم الرئيس السيسي تؤكد للجميع حجم التغيير الضخم الذي طرأ على أوضاع مصر الأمنية، ونقلها من حالة الفوضى الشاملة والغياب الكامل للأمن التي تواصلت على امتداد المرحلة الانتقالية بعد ثورة يناير إلى نهاية حكم جماعة الإخوان، إلى حالة الأمن والاستقرار التي تعيشها مصر الآن رغم جرائم الإرهاب.

كما نقلها من حالة التوقف الكامل عن أي نشاط إنتاجي التي سيطرت عليها المطالب الفئوية وإغلاق المصانع وعنابر العمل وركود التجارة والصناعة بما يشبه أن يكون موتاً إلى حالة جد مختلفة أعادت الحياة إلى شرايين الاقتصاد الوطني.

ورفعت معدلات التنمية من دون الصفر سلباً، إلى حدود تزيد على 4.8 في المائة، كما نقلتها من وضع مالي بالغ السوء هبط بحجم الاحتياطيات النقدية إلى حدودها الدنيا التي لا تكفي احتياجات مصر الغذائية لأكثر من ثلاثة أشهر، إلى وضع مالي مطمئن ارتفعت فيه احتياطات النقد الأجنبي إلى 37 مليار دولار لأول مرة، بزيادة تربو على العشرين ملياراً خلال السنوات الأربع الماضية.

وتزايدت فرص العمل بما قلل معدلات البطالة من 14 في المائة إلى حدود دون 9 في المائة، بما يعني توفير ثلاثة ملايين فرصة عمل جديدة من خلال المشروعات القومية الكبري التي شملت توسيع القناة وإنشاء شبكة طرق قومية واسعة غيرت مسار النقل والحركة في مصر إلى وضع أفضل من وضعها السابق بكثير.

وتحسين موقف طاقة الكهرباء التي كانت تنقطع على نحو مستمر ومتكرر، فضلاً عن قائمة طويلة وعريضة من مشروعات المياه والصرف الصحي إلى الجهود الجبارة من أجل إنقاذ أكباد المصريين من فيروس (سي).

كما نقلت الدولة المصرية من حالة الضعف والوهن وفقدان الإرادة التي أغرت الآخرين على العدوان على حقوق مصر بما في ذلك حقها التاريخي في مياه النيل، إلى دولة قوية قادرة على حماية مصالحها، تملك واحداً من أقوى عشرة جيوش في العالم، يحمي أمن مصر ويحفظ عزتها وكرامتها ويعيد لها مكانتها وهيبتها بين الأمم.

وما يزيد من عظمة هذا الإنجاز وقيمته، أنه يتم بينما تواصل مصر حربها الناجحة ضد الإرهاب، تطارد جماعاته، لا فارق بين داعش والقاعدة وجماعة الإخوان وتلحق بها هزائم كبيرة في سيناء.

نعم زاد الغلاء وارتفعت أسعار السلع في فترة حكم الرئيس السيسي، وزادت مصاعب حياة المصريين وارتفعت معدلات التضخم إلى حدود قاربت إن لم تتجاوز 30 في المائة، لكن ما هي حيلة الرئيس السيسي في الأمر، إن كان الإصلاح الاقتصادي لهذه المنظومة الخاسرة تأخر طويلاً على مدى عقود عديدة، تقاعس خلالها الحكم عن القيام بواجباته.

مؤثراً الحلول السطحية التي لا تعالج المشكلات من جذورها، إلى أن أصبح الإصلاح ضرورة حتمية لا يجوز الفرار من مسؤوليتها لأن البديل الوحيد للإصلاح هو فشل الدولة وإعلان إفلاس الخزانة العامة.

وأظن أن شجاعة الرئيس السيسي في اتخاذ الخطوات المؤلمة الصعبة اللازمة للإصلاح في عام انتخابي. أمر يستحق التقدير والاحترام، لأن السيسي فعل ما لم يقدر على فعله كل من سبقوه في الحكم، مغامراً بشعبيته في عام انتخابي يلجأ فيه معظم قادة العالم في جميع الأنظمة السياسية إلى تجنب القرارات الصعبة حفاظاً على شعبيتهم.

ولأن نظام حكم الرئيس السيسي يصر على أن يحارب الفساد في كل مستوياته العليا بقوة وعلانية، تشتد الحملة الظالمة على السيسي بهدف أن تسيطر عليه روح الإحباط، لكن السيسي يصر على المضي قدماً في طريق الإصلاح، محاولاً قدر الاستطاعة توسيع مظلة الأمن الاجتماعي لتشمل أوسع مساحة ممكنة من الطبقات الأقل قدرة.

ومد شبكة الأمان لتغطي التزام الدولة بحق الأجيال الجديدة مهما تكن فقيرة في أن تتعلم من خلال تقديم العون المادي الذي يمكن الأسر الفقيرة من استكمال تعليم أولادها.