«إن بناء الإنسان هو الأساس ولا يكتمل بناء الأوطان إلا ببناء المواطن الذي هو الثروة البشرية الدائمة والعطاء». (محمد بن راشد آل مكتوم).
يقول كلاوس شواب، المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي: لا تخلق الثورة الصناعية الرابعة خللاً في مجال العمل فحسب، وإنما تخلق أزمة بسبب النقص في المهارات الحديثة التي تتطلبها. وعليه، فإننا نواجه أزمة مواهب عالمية.
أي إننا بحاجة إلى عقلية جديدة وطرق تفكير لتكييف نُظمنا التعليمية مع التعليم الذي تحتاجه القوى العاملة المستقبلية، بينما تقول سعدية زهيدي، رئيسة قسم التربية، والمساواة بين الجنسين والعمل، لدى المنتدى الاقتصادي العالمي: «لا بد لاستراتيجيات الدول لتطوير رأس المال البشري أن تعتمد على هيكل الدولة الديموغرافي، فكل دولة قد تقع في خطر خلق «أجيال مفقودة» إذا ما فشلت في اعتماد نهج أكثر شمولية يرعى المواهب ويأخذ بعين الاعتبار نهج استباقي لإدارة الانتقال من التعليم إلى ميدان العمل وإلى التعلم المستمر واكتساب المهارات والخبرات».
وكما أشرنا في مقال سابق يعتبر «رأس المال البشري» المخزون الاستراتيجي لأي دولة تتطلع لبناء مستقبل مشرف ومستدام، يستجيب لطموحات الحاضر ويلبي توقعات الأجيال القادمة، وهذا هو المقصود من مفهوم الاستدامة. ويتفق علماء الاجتماع الإداري على أن التنمية بمفهومها الشمولي، وبأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والبيئية، صارت مطلباً لا غنى عنه ولا سبيل للتراجع دونه، ذلك أن التنمية أصبحت الجسر الذي تعبر من خلاله المجتمعات النامية والناشئة، للمضي قدماً لبلوغ الرفاهية الاجتماعية بحسبانها الهدف النهائي للتنمية المستدامة.
وقد أجمعت آراء لفيف من العلماء والخبراء على أن «التنمية البشرية» تعد أهم ركائز التنمية المستدامة، وقد تأكد منذ مطلع الألفية الجديدة أن الدول التي انطلقت من كونها دولاً نامية إلى مستوى دول متقدمة، ما كان لها أن ترتقي إلا لأنها ركزت على بناء القدرات البشرية.
ولعل ذلك ما جعل التنمية البشرية تحتل موقع الصدارة في سلم أولويات استراتيجيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ولا يخفى على أي مواطن أو مقيم أن دولة الإمارات استطاعت بفضل «قيادة رشيدة وحكيمة» أن تعبر جسر التخلف وتتعدى مرحلة الدول الناشئة للحاق بالدول المتقدمة.
تشير تجارب دول مثل: «سنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية»، إلى أن تنمية رأس المال البشري تعد من أكبر التحديات التي تواجه العملية التنموية في كل الدول التي دخلت في سباق مع الزمن، التي تؤمن بأن الإنسان هو وسيلة التنمية وغايتها.
ومن هذا المنطلق جرى الاهتمام ببناء قدرات الكوادر الوطنية الشابة المتسلحة بالمعرفة، للعمل في كافة المجالات من أجل تحقيق هدفين أساسيين هما: أولاً؛ الإسهام الفاعل في مشروعات التنمية المستدامة واكتساب المزيد من الخبرة.
ثانياً؛ الإحلال محل العمالة الوافدة للحد من خلل التركيبة السكانية، ولقد حلت الإمارات «الأولى عربياً وإقليمياً» في ترتيب مؤشر رأس المال البشري العالمي بمعدل تطوير يصل إلى 65.48٪ في تقرير التنمية البشرية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي منذ أيام، حيث حصلت على المرتبة 45 عالمياً من بين 130 دولة شملها المؤشر. وأشار التقرير إلى أن الإمارات تركز على نقل الخبرات والتقنيات الحديثة، كما أنها نجحت في حشد الجهود من أجل إعداد مستقبل مشرق ومتنوع من المواهب والمهارات مع الاهتمام بالجودة والتميز.
حيث يرى التقرير: إن الإمارات لديها القدرة والإمكانية على دعم وتعزيز الأداء البشري من خلال رفع مستوى قوة العمل لديها إلى استيعاب التقنيات والمعرفة المعقدة وتكوين مواهب مستقبلية تساهم في اقتصادها المعتمد على كثافة تلك المواهب. وتصدرت الإمارات غالبية الفئات في التقرير، حيث حصلت على 72 نقطة في جودة التعليم، مما يجعلها العاشرة على دول العالم في هذه الفئة. ووضع التقرير الإمارات في فئة الدخول المرتفعة في العالم.
وخلص تقرير رأس المال البشري التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي، إلى أن الجهود المبذولة لتحقيق كامل الإمكانات الاقتصادية للأفراد - في كافة البلدان ومختلف مراحل التنمية الاقتصادية تبوء بالفشل، وذلك بسبب خطأ في تسخير المهارات ضمن القوى العاملة، وتطوير المهارات المستقبلية، والتعزيز غير الكافي للتعلم المستمر للقوى العاملة؛ إذ يرى التقرير أن مثل هذا الفشل في ترجمة الاستثمار في التعليم خلال سنوات الدراسة والتكوين إلى فرص عمل ذات مهارة وجودة عاليتين خلال سنوات العمل يساهم في زيادة فجوة عدم المساواة في الدخل من خلال سدّ مساري التعليم والعمل، وهما أساسا الاندماج الاجتماعي.
إن اهتمام دولة الإمارات، الذي جعل الإنسان يتصدر أولوياتها، كان وسيظل العنصر الدافع لبلوغ مراحل متقدمة لتحقيق آمال وتطلعات مجتمع الإمارات نحو التنافسية العالمية، وبهذا تكون دولتنا تسابق الركب للحاق بالدول المتقدمة.
إن قادة دولة الإمارات يستشرفون المستقبل، ويراهنون على العنصر البشري، متخذين من الثقافة والعلم وتنمية الإنسان أجنحة للطيران نحو المستقبل والتنمية البشرية المستدامة.
* كاتبة إماراتية