تأتى الزيارة التي يقوم بها الرئيس الأميركي لدول آسيا هذا الأسبوع، في خضم توترات حادة في الإقليم، ليس فقط بسبب تباين المواقف بشأن ملف كوريا الشمالية، وإنما أيضاً بسبب مخاوف حلفاء أميركا الآسيويين من تعاظم النفوذ الصيني، بل ومخاوفهم من الموقف الأميركي نفسه إزاء التجارة معهم.
ولعل أفضل تعبير عن تلك التوترات الإقليمية، هو ما قاله شينزو آبى رئيس وزراء اليابان، حين وصف «البيئة الأمنية» المحيطة باليابان اليوم، بأنها «الأكثر حدة في توترها منذ الحرب العالمية الثانية».
فالتصعيد المتزايد بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، يثير قلقاً كبيراً لدى طوكيو وسيؤول، لا تخفيه العاصمتان.
وتوجد شكوك عميقة لدى الدولتين من أن الولايات المتحدة تستعد لتوجيه ضربة عسكرية لكوريا الشمالية قبل نهاية العام، لإجبارها على اتخاذ موقف جدي ينهى تطويرها لسلاحها النووي وصواريخها البالستية.
صحيح أن اليابان وكوريا الجنوبية تتفقان مع الولايات المتحدة على أن كل الخيارات لا بد أن تظل على الطاولة، بما فيها الخيار العسكري، إلا أن كليهما تقبلان باستخدام القوة العسكرية فقط في حالة بدء كوريا الشمالية بالعدوان على أي منهما أو على أراضي الولايات المتحدة، إلا أنهما لن تقبلا أبداً بضربة عسكرية أميركية على كوريا الشمالية، مهما كانت محدودة، لمجرد إجبار الأخيرة على الجلوس إلى مائدة المفاوضات.
ذلك لأن طوكيو وسيؤول تتوقعان أن ترد كوريا الشمالية بهجوم عسكري انتقامي على أراضيهما، ما يعنى تكلفة بشرية ومادية هائلة. وقد سمعت واشنطن في الأيام الماضية ما يدعم موقف الدولتين، عندما دعا الكونغرس للشهادة أمام لجانه، النائب السابق لسفير كوريا الشمالية لدى لندن، والذي انشق حديثاً وطلب اللجوء خارج بلاده. فقد أكد الرجل أن كوريا الشمالية سترد فوراً بهجوم عسكري كاسح على كوريا الجنوبية.
ولعل مخاوف الحلفاء هي التي دعت مستشار ترامب للأمن القومى، لأن يعلن في المؤتمر الصحافي الذي عقده قبل سفر الرئيس، لأن يلمح إلى ضرورة «الصبر لعدة أشهر»، وأن تبذل كل الدول قصارى جهدها «فيما هو دون الخيار العسكري»، الأمر الذي يفهم باعتباره طمأنة لأولئك الحلفاء.
إلا أن قلق حلفاء أميركا من تطورات المسألة الكورية، يرتبط بشكل وثيق بالقلق إزاء موقف الصين وعلاقة الولايات المتحدة بها.
فهناك قلق آخر من أن تقوم الدولتان بعقد صفقة سرية بشأن كوريا الشمالية، لا تأخذ مصالحهم في الاعتبار، خصوصاً أن أولئك الحلفاء لهم مخاوف تتعلق بالنفوذ العسكري الصيني المتزايد في محيطهم الإقليمي.
فالصين تقوم بدعم نفوذها العسكري في بحر الصين الجنوبي، وتقوم بالتوسع في نشر قواتها البحرية وقوات حرس الحدود في عمق إقليم جنوب شرق آسيا.
والنفوذ الصيني يثير حفيظة حلفاء أميركا الذين يوجد بينهم وبين الصين نزاع حول ملكية بعض الجزر في بحر الصين، مثل الفلبين وفيتنام. وقبل أن تبدأ زيارة ترامب لآسيا، انطلق التراشق الأميركي الصيني بخصوص ما يجرى في بحر الصين.
فبينما طالب القائد العسكري الأميركي في الإقليم الصين، بعدم القيام «بأعمال استفزازية في بحر الصين الجنوبي»، أعلن السفير الصيني لدى واشنطن، أن على أميركا أن تتجنب «التدخل» في الإقليم.
ورغم أن دراسة حديثة لدى مؤسسة راند الأميركية، اعتبرت أن التوتر في بحر الصين، يأتي في المرتبة الثانية مباشرة بعد كوريا الشمالية، كمصدر لصراع أميركي مستقبلي مع الصين، إلا أن ما يثير قلق حلفاء أميركا، وعلى رأسهم، اليابان هو أن أداء إدارة ترامب بخصوص بحر الصين، يأخذ طابع رد الفعل لا الفعل.
ولعل ذلك هو السبب وراء مبادرة اليابان للتوصل لاستراتيجية يابانية أميركية مشتركة، تركز على المحيطين الهندي والهادي معاً، لمواجهة تصاعد النفوذ الصيني.
وتتضمن المبادرة التجارة والاستثمارات والتعاون المشترك من أجل الأمن الملاحي في المحيطين الهادي والهندي، والتي تسعى لضم الخليج العربي لذلك الأمن الملاحي، وإشراك كل من أستراليا والهند في تلك المبادرة. ومن الجدير بالملاحظة، أن إدارة ترامب قد صارت تستخدم التعبير نفسه أي «دول الهادي والهندي»، للإشارة لاستراتيجيتها تجاه دول آسيا.
وقد استخدم تيلرسون ذلك التعبير عشرات المرات، في معرض تأكيده على ضرورة تطوير العلاقات الاستراتيجية مع الهند، واستخدمه مستشار ترامب للأمن القومى، بل والرئيس الأميركي نفسه، عشية زيارته لآسيا.
ورغم أن إصرار ترامب على مبدأ «أميركا أولاً»، سيكون بالضرورة على أجندة زيارته لآسيا، والذي سيتضمن بالضرورة خلافات، خصوصاً مع طوكيو، بخصوص التجارة والاستثمارات، إلا أن تلك القضية أسهل مراساً وأقل خطراً من وجهة نظر طوكيو وحلفاء أميركا الآخرين، بالمقارنة بضرورة التوصل مع إدارة ترامب لاستراتيجية مشتركة، ليس فقط إزاء كوريا الشمالية، وإنما إزاء الصعود المتزايد للنفوذ العسكري الصيني في المنطقة.
ومن هنا، فقد يكون الإعلان عن تفاصيل للاتفاق بين أميركا وحلفائها على تلك الاستراتيجية الجديدة «لدول الهادي والهندي»، هي أهم نتائج زيارة ترامب الآسيوية.