بعد أقل من شهرين من تسلّم جورج بوش الابن رئاسة الولايات المتحدة في مطلع العام 2001، قام نائبه آنذاك ديك تشيني بجولة في المنطقة العربية من أجل حض بعض الحكومات على التعاون مع واشنطن في التمهيد لعمل عسكري كبير ضدّ العراق، ولم يجد تشيني حينها التجاوب المرغوب أميركياً.

ثم حدثت بعد ذلك، في شهر سبتمبر من العام نفسه، الأعمال الإرهابية في نيويورك وواشنطن، والتي أعطت المبررات للمحافظين الجدد في إدارة بوش الابن ببدء تنفيذ أجندتهم من خلال احتلال كل من أفغانستان والعراق، وتغيير مسار أميركا والعالم كله والدخول في حقبة تاريخية جديدة، ما زالت تفاعلاتها قائمة حتى الآن.

يتكرر السيناريو نفسه حالياً مع وجود ترامب في رئاسة أميركا، الذي وصل إلى الحكم بدعم من تيار محافظ، وبترحيب قوي من الجماعات الصهيونية،.

وحيث هناك أيضاً أجندة داخلية وخارجية يسعى ترامب إلى تنفيذها. وربّما يجد الرئيس الأميركي مصلحة كبيرة الآن في حدوث انفجار عسكري كبير لأزمة دولية، كالأزمة مع كوريا الشمالية، ليس فقط لخدمة سياسة مقررة، بل أيضاً لصرف الأنظار عن مشكلاته الداخلية وعن التحقيقات القانونية الجارية مع فريق حملته الانتخابية، ولتعزيز قاعدته الشعبية، مما يُسهّل تنفيذ أجندة عهده في البيت الأبيض.

وليست قضية كوريا الشمالية هي فقط مخزن البارود القابل للانفجار، ففي حال تعذر إشعال الفتيل هناك لاعتبارات أميركية أو دولية، فإن تزايد حدة الصراعات حول الكثير من الأزمات الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط قد يجعل مكان الانفجار الكبير هناك.

وإذا كانت كل من جبهتي كوريا الشمالية وإيران تفترض تورطاً عسكريا أميركياً، فإن جبهة أخرى قد تكون مدخلاً لأزمة دولية كبيرة تتضمن صراعات مسلحة محلية من دون حاجة لانغماس عسكري أميركي، وهي الجبهة الإسرائيلية - الفلسطينية، والتي قد تكون شرارتها بإعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، ثم التعامل مع التداعيات من خلال ما أسماه ترامب بـ «صفقة القرن»، وما قد ينتج عنها من خلافات عميقة وصراعات داخل المنطقة، كالتي حدثت بعد توقيع معاهدات كامب ديفيد في نهاية عقد السبعينات.

طبعاً، لا أجد مصلحة دولية في التصعيد العسكري الممكن حصوله مع كوريا الشمالية. لكن التساؤلات ستكون كبيرة حول ما يمكن أن يكون عليه الموقف الروسي، حيث إن موسكو معنية بشكل واسع في أي انفجار عسكري كبير في شرق آسيا أو في الشرق الأوسط.

وإذا كانت إدارة ترامب تحاول مهادنة موسكو لفترة من الوقت، فإن «النهج الترامبي» في قضايا دولية عديدة يتناقض مع مصالح موسكو والصين أيضاً. فأين ستقف روسيا والصين من مواقف ترامب؟! وأين سيقفان من تأييد ترامب لنقل السفارة الأميركية للقدس والاعتراف بها كعاصمة لإسرائيل فقط؟!

وأين سيقفان من توتير الأجواء العسكرية في شبه الجزيرة الكورية ومنطقة شرق آسيا المجاورة للأراضي الصينية والروسية؟!

أما على الجانب العربي والفلسطيني، فإن ما حدث ويحدث من ردود فعل فلسطينية هامة على مسألة القدس، هو أمر تكرر في الخمسين سنة الماضية، منذ الاحتلال الإسرائيلي الذي حدث في العام 1967، لكن الاحتلال الإسرائيلي استمر وما زال قائماً!!.

فمشكلة ما يحصل من ردود فعل حتى الآن أنها تنحصر في مسألة القدس ولا تتواصل لكي تعالج أساس القضية وهو الاحتلال الإسرائيلي لكل الأراضي الفلسطينية.

فالاستيطان والتهويد يتصاعدان في القدس والضفة منذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، إن لم نقل منذ العام 1967، ولم تردعهما كل ردود الفعل التي حدثت وتحدث! فكيف يمكن المراهنة الآن من جديد على مزيد من التفاوض مع إسرائيل برعاية إدارة ترامب، إذا كان نتنياهو ومعظم أعضاء حكومته يرفضون وقف الاستيطان والانسحاب من القدس وحق العودة للفلسطينيين.

وهي القضايا الكبرى المعنية بها أي مفاوضات أو «عملية سلام» بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي قبل إقامة الدولة الفلسطينية؟! ثم كيف يأمل الفلسطينيون بموقف أميركي فاعل إذا كانت إدارة ترامب والكونغرس الأميركي يتحدثون عن القدس كعاصمة أبدية لإسرائيل؟!

وفق المعطيات الدولية والإقليمية الموجودة الآن، فإن المانع الأول لحدوث أي من الانفجارات الكبرى السابق ذكرها، ليس هو بعامل خارجي بمقدار ما هو مانع داخلي أميركي أشار إليه السيناتور بوب كوركر، وهو من الحزب الجمهوري ويرأس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي.

حينما تحدث منذ أسابيع قليلة عن المخاوف من حرب عالمية ثالثة نتيجة سوء التقدير لدى الإدارة الأميركية، مؤكداً «أن تغريدات الرئيس ترامب أدت أكثر من مرة إلى تقويض مفاوضات دبلوماسية». وأضاف أن عدداً قليلاً من الوزراء المهمين يحمون الولايات المتحدة من «الفوضى» وأنهم قادرون على تهدئة ترامب ومواصلة العمل معه».

فالمراهنة الأساس الآن لمنع حدوث انفجارات عسكرية عالمية كبرى هي على وصول التحقيقات القانونية الجارية من قبل وزارة العدل (مع المحقّق روبرت ميللر) وفي داخل الكونغرس، إلى نتيجة حاسمة تحدد بقاء ترامب في البيت الأبيض أو العكس،. وربما سيكون مطلع العام المقبل 2018 هو الوقت المناسب لإمكانية حدوث ذلك. فهناك استحقاق «الانتخابات النصفية» في نوفمبر 2018، والتي يجري فيها انتخاب كل أعضاء مجلس النواب وثلث أعضاء مجلس الشيوخ وعدد من حكام الولايات الخمسين.