لا أعرف حتى الآن، سبباً معقولاً يدعو الرئيس الأميركى دونالد ترامب لاتخاذ قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في هذا التوقيت بالذات، ولم أفهم ما هي الجدوى السياسية التي يتوقعها من إعلانه ذاك.
ولم أجد ما يدعوني للاقتناع بصواب ادعائه بأن الأمر الواقع في القدس يصرخ كله بأنها قد أصبحت بالفعل عاصمة لإسرائيل، ليس فقط لأنها منذ سنوات مقر الحكومة الإسرائيلية، ومقر الكنيست الإسرائيلي، وهو ما يعني أنها بحكم الأمر الواقع تقوم مقام عاصمة إسرائيل!
إلا أن هذا الأمر الواقع نفسه لا ينفي الوجه الآخر للأمر الذي يقول كذلك إن القرار الذي اتخذته إسرائيل بضم القدس لأراضيها، واتخاذها عاصمة لها، هو قرار باطل صدر عن جانب واحد، وبالمخالفة لقرار هيئة الأمم المتحدة التي اعتبرت القدس مدينة محتلة شأنها في ذلك شأن مدن الضفة الغربية لنهر الأردن التي احتلتها إسرائيل في عدوان 1967.
وفضلا عن هذا، فإن القرار الذي اتخذه الكونجرس الأميركي عام 1995 بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس والاعتراف بالأخيرة عاصمة لإسرائيل، كان قراراً مشروطاً بأن تختار الإدارة الأميركية لتنفيذه الوقت والظروف الملائمين، وهو ما اضطر ساكن البيت الأبيض، إلى تأجيل تنفيذه 44 مرة بواقع مرة كل ستة شهور.
ثم إن كل دول العالم تقريباً، باستثناء دولتين صغيرتين، لم تعترف بالقرار ولم تنفذه، احتراماً لقرار الأمم المتحدة باعتبار القدس مدينة محتلة، وإدراكاً منها بأن تنفيذه سوف يزيد أعقد مشاكل العالم المعاصر وهى مشكلة الشرق ألأوسط، تعقيداً، ويجعل التوصل لحل سلمي لها أمراً يكاد أن يكون مستحيلاً.
وعلى الرغم من تعثر المفاوضات الإسرائيلية ــ الفلسطينية، بدأت بعض الأفكار والاقتراحات لحل مشكلة القدس تطرح نفسها على الساحة، كان أهمها فكرة أن تكون المدينة المقدسة موطناً لأتباع الأديان السماوية الثلاثة، عاصمة موحدة لدولتين إحداهما فلسطينية والأخرى إسرائيلية، بحيث تكون كل عاصمة منها حياً من أحيائها.
وصحيح أن مسيرة السلام قد وصلت إلى طريق مسدود، ولكن من الصحيح، كذلك، أن وصول الرئيس دونالد ترامب المفاجئ إلى البيت الأبيض، قد جدد الآمال في إمكانية التوصل إلى حل جذري لمشكلة الشرق الأوسط، استنتاجاً من الشعارات التي طرحها أثناء حملته الانتخابية وأكدها في أعقاب فوزه، بأنه سيسعى لإعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات.
وكان وراء التفاؤل بأن الساكن الجديد في البيت الأبيض سوف يأتي بما لم يأت به الرؤساء الأوائل، منذ الرئيس ترومان إلى الرئيس أوباما، إدراك لدى الجميع بأن المناخ المحلي والإقليمي والدولي الذي سبق وأحاط بوصوله إلى منصبه في البيت الأبيض، يختلف بشكل لافت للنظر عما سبقه.
وكان ذلك ما دفعه لكى يؤكد على أن الأولوية القصوى أمام إدارته سوف تكون التصدي لكل العوامل التي تشعل شرارات العنف والتطرف في العالم المعاصر، وهو ما دفع كثيرين من العرب والفلسطينيين،إلى الظن بأن الرئيس الأميركي الجديد، سيستخدم كل ما لديه من تأثير ونفوذ على إسرائيل، لكي يحقق هذا الظن، فكيف يتوهم الرئيس الأميركي «ترامب» أن الفلسطينيين والعرب يمكن أن يتنازلوا عن القدس كعاصمة لما تبقى من الدولة الفلسطينية التي كانوا يحلمون بأن يستردوها من النهر إلى البحر؟
ومن الذي اقنعه أن منح القدس للإسرائيليين، يعيد الأمن والاستقرار، ويقضي على العنف في المنطقة؟!.. ومن الذي أوهمه أن ذلك سيدفع الراديكاليين من سكانها إلى الرضاء بما قُسم، وأنه لن يزيدهم تشدداً على تشدد، وتطرفاً فوق تطرف..وما هي الوعود التي حصل عليها من الإسرائيليين مقابل رضاء الفلسطينيين بأن يتنازلوا طواعية عن أولى القبلتين وثالث الحرمين؟!
تلك هي الأسئلة التي لا إجابة عليها لدى ساكن البيت الأبيض.!